مشكلة البطالة من أصعب المشكلات التي تواجه الدول وتؤثر في اقتصادها وسياستها، وقد صُنفت البطالة إلى أصناف عديدة(1) منها: البطالة المقنعة التي تنتج عن زيادة اليد العاملة عن الحاجة الحقيقية، وبطالة اختيارية يرجحها الفرد العاطل إذ دفعت الدولة أجوراً عالية للعاطلين، لأن تلك الأجور تجعل الكثير منهم يفضل البطالة عن العمل بأجر قريب من الأجر الذي سيحصل عليه العاطل..، وهنا البطالة الموسمية وتحدث في بعض مواسم السنة، مثل الزراعة أو مثل السياحة التي تجعل من يعمل بها عاطلاً أكثر السنة إلى أن يحين موعد السياحة في الموسم القادم، لذلك تجد الكثير من المرشدين السياحيين بمجرد انتهاء موسم السياحة يقشرون البصل ليتم استخدامه في طهي طعام سياح الموسم القادم، وعند الله خير كثير، لذا تجد الحكماء منهم لا يعتمدون على موسم السياحة فقط.. وهناك بطالة دورية تنتج عن التقلبات الدورية في الأنشطة التجارية، وتسمى أيضاً بطالة الركود الاقتصادي، وهناك بطالة الفقر الناتجة عن نقص الطاقة الإنتاجية، وهناك بطالة الاحتكاك، والبطالة الهيكلية، والمتبقية، وبطالات أخرى يطول سردها وشرحها، وللمباني بطالة. كثير من مبانينا تم تصميمها بأعلى المستويات المعمارية الفكرية، وتم تنفيذها بأدق المستويات الهندسية الفنية، ويتم تشغيلها وصيانتها بأعلى التكاليف المادية التي ترهق ميزانية الدولة، وتؤدي إلى تدني المستوى الاقتصادي العام للدولة، وبذلك ينتج تدهور لوضع الصيانة والتشغيل في المباني التي سرعان ما تتقادم بسبب إهمال موضوع الصيانة الناتج غالباً عن قلة الموارد المالية للمشروع، وبكل تأكيد مع ازدياد التنمية العمرانية يصبح من الصعب أن تتحمل الدولة مسؤولية الإنفاق على جميع المباني والمجمعات العامة كالمدارس والمستشفيات والمساجد.. تلك المباني التي لا تستطيع أن تصرف على نفسها.. إنها المباني التي تعاني البطالة..
كيف عالج أجدادنا المعماريون هذه المشكلة؟
كتب تاريخ عمارة المسلمين التي ألفها الغرب(2) تحتوي على شرح مفصل بالمخططات المعمارية والهندسية لأفكار المباني العامة التي شيدها المسلمون وخططوا جيداً لمكافحة بطالتها، فألحقوا بها متاجر يتم تأجيرها لأنشطة تجارية مختلفة، والريع يكون لتشغيل المبنى وصيانته، وهكذا تم محاربة بطالة المباني فكانت مبانيهم موظفة توظيفاً جيداً جعلها قادرة على أن تصرف على نفسها لتعيش بصحة جيدة.. والسؤال هنا هل يمكن أن يتبنى زملائي المعماريون والاقتصاديون ذلك المبدأ؟.. بكل تأكيد ممكن، ولكن كيف؟إذا تم تصميم مسجد جامع فمن الممكن إلصاق محلات تجارية به، تؤجر والريع يوزع على الإمام والمؤذن ومعلمي حلقات التحفيظ، وصيانة المسجد، .. إلخ، وتبيع تلك المحلات الكثير مما يحتاجه المسلم بعد صلاة الجمعة، وبذلك نحصل على تجمع وحوار وتسوق ويحدث الاحتكاك بين أفراد المجتمع فيتعلم هذا من ذاك، وذاك من هذا، وتجدنا نمر على محل لبيع الخضروات واللحوم، ومحل لبيع المساويك والعسل والعود دهناً كان أو خشباً، ومحل لبيع الغتر والسراويل، ومحل لبيع سكري القصيم وخضار القصيم وماء زمزم، وآخر لبيع نعناع المدينة، ومحل لبيع الدواجن والأسماك والضبان (ويفضل أن يكون في الطرف البعيد عن مداخل المسجد)، ومكتبة لبيع الكتب الإسلامية والعلمية، ومحل لبيع الصحف والمجلات المسلمة والعلمية، لنشتري منه عزيزتي الجزيرة، ويمكن أن يكون هناك مقهى إنترنت خاضع لضوابط وشروط تليق بالمسجد ومكانته الدينية، وهكذا نضمن عدم فرار المسلمين إلى بيوتهم فور انتهاء الصلاة دون حوار، لأن الخدمات والأنشطة التي أضافها المهندس المعماري لهذا المسجد تجبرهم على التجمع والتحاور لفترة زمنية طويلة، فتجد راحة نفسية عجيبة، تنعكس على الفرد وأهل بيته، لأن الشخص قد يشتري من تلك المحلات بطيخة ويحملها إلى زوجته مبتسماً فتقابله بابتسامة وفرح، ويبدأ بتوزيع الابتسامات على باقي الأسرة، فيبتسم الجميع وتسير حياة البشر وحياة مبانيهم العامة بسلام، ويبدأ الرجل في تصفح مواضيع الجزيرة المسلية وتقع عينه على هذا المقال (المملوح) فيعيش معه لحظات إلى حين انتهاء زوجته من (تشليخ الجحة) فيأكل الجميع ويبردون على قلوبهم المحروقة بسبب قضية بطالة المباني، وهكذا تؤثر المباني في حياتنا الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.. وللمباني بطالة..
المراجع:
(1) Wrswick: Uncmployment, A Problem of Policy.
(2) John D. Hoag: History of ISlamic Architecture.
|