ما بين عامي 1948 و2003. خمس وخمسون سنة، اصبح للكثيرين من أبناء هذا الوطن العربي، الذين ولدوا، في مطلع تلك السنوات، كثير من اكتمال الوعي والحكم على مجريات هذا التاريخ، الذي لم يمر في سكون وهدوء، لقد شهد أبناء هذا الجيل عدة حروب استهدفت هذا الوطن، وهددت استقلال دوله التي نالت هذا الاستقلال الاسمي فكأن مجريات ما بعد الحرب الكونية الأولي، التي كرست الاحتلال القائم لبعض بلدان هذا الوطن، وأضافت اليها بلداناً أخرى، ووضعت بلدانا رهناً للهيمنة الاستعمارية في ظل استقلال اسمي، لا تزال قائمة الآن، بعد تسعة وثمانين عاماً.
عبر تلك السنوات، الخمس والخمسين، أخضع هذا الوطن العربي، لستة حروب ابتداء من 1948 وحتى هذا العام، ولا يزال حتى الآن في رباط إلى مدى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما هو حال أبناء الشعب الفلسطيني الذين هم في حرب مستمرة منذ ذلك التاريخ، كما لا يزال الشعب العراقي في حرب مقاومة لهذا الغازي الذي غزا بلادهم، فهل كتب على هذه الأمة أن تكون أمة مقاومة عبر تاريخها الطويل، إن جميع تلك الحروب على هذه المنطقة، جاءت عبر آلاف الأميال، ليس لمن جرّدها مشاكل حدود مع البلاد العربية ولا تمثل تهديدا لها، غير أنه لا يُسمح أن تستعمل هذه البلدان حقوقها التي منحها الخالق سبحانه وتعالى لها، من استثمار مواردها، وموقعها الجغرافي وفق ما يؤهله لها استقلالها وحقوقها التاريخية. إنها شريعة «الغالب والمغلوب» التي أشار إليها علامتنا «ابن خلدون» صاحب الرؤية الثاقبة، وويل للمهزوم، من سيطرة وغلبة الغالب.
هذه تداعيات «تأملية» تمهيداً للدخول في صلب موضوع هذا المقال، عن المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، وهي احدى «المتفجرات الملغومة ي خارطة الطريق» التي سوف تتفجر وتقطع الطريق عبر هذه الخارطة.
إن أخطر المؤشرات، فيما يتعلق بأمر المستوطنات واللاجئين الفلسطينيين، التي سوف تُعقد الأمور وتخلق العقبات في طريق هذه الخارطة من أساسها، تلك التصريحات التي تتجاوز مجرد التصريح إلى تأصيل «العقيدة اليهودية» التي يتبناه هذا التيار الأصولي بالمعنى الإصطلاحي الغربي Fundamentalist المتشدد صاحب الولاء السياسي العنصري، الذي يتلحف بعباءة أحبار التلمود، ويستدعيها وفق ما يشاء. فلقد تزامن تصريح كل من «شارون» والرئيس الأمريكي «جورج بوش الابن» على اعتبار أن إسرائيل هي «دولة يهودية» حيث أصر «شارون» على انه يجب على الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل «كدولة يهودية». وفي «العقبة» وهي بلد عربي، أعلن الرئيس الأمريكي «اعتبار إسرائيل دولة يهودية».
وعلى ما في هذا التوجه، من اتجاه خطير، يعود بكل القضايا السياسية إلى المرجعية الدينية اليهودية السلفية سواء كانت لها أصولها الداعمة لها، أو أسبابها الواهية الموضوعة، فإن ذلك يفضح نوايا حرب الولايات المتحدة في المنطقة، ويعلن عن إزدواجية غير منطقية في مفاهيم هذه الإدارة الأمريكية الحالية المعلنة. ويعود بنا إلى الفهم الأمريكي الأصولي للدولة اليهودية، أو المعنى اليهودي لأمريكا.
هذا الفهم الذي يبحث له عن جذور سلفية، كما تشي بذلك خطابات النخب الأمريكية منذ وقت مبكر، فها هو السناتور «ألبرت بيفردج» سنة 1900 يقول:
«إن الله اصطفى الأمة الأمريكية من بين كل الأمم والشعوب، وفضلها عليهم وجعلها «شعبه المختار» وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من شروره».
لقد كان المعنى الأمريكي لإسرائيل في الخطاب السياسي، الذي انتشر بعد الحرب العالمية الثانية مضللا، فعبر حروب العرب مع إسرائيل كانت أمريكا تنحاز الى جانب الكيان الصهيوني بدعاوى استراتيجية، وأنها المجال الحيوي لها، وأنها يدها الطويلة في المنطقة، كل هذه دعاوى وإن كان في ظاهرها منطق ما، لكنها ليست المنطق الحقيقي كله، لقد كشفت دعاوى الخطاب السياسي الذي يردده الرؤساء الأمريكيون الآن بدءا من «ريجان» وحتى «جورج بوش الابن» الذي يردد تلك العبارات السلفية مثل «العناية الإلهية» و«قدر أمريكا» ونشر الحرية في العالم، عن حقيقة المعنى الأمريكي لإسرائيل.
وهو في جوانبه الوطنية تعبير عن «الحلم الأمريكي» الذي عبر عنه شاعر الملاحم الوطنية «والت ويتمان» منذ عام 1871 في قصيدته «معبر إلى الهند، وإذا كان «بوش الإبن» يؤكد على يهودية إسرائيل، فإن سلفه «كلينتون» أباح أمام «الكنيست» في أكتوبر 1995، بأنه قبل ثلاثة عشر عاما تربى في بعثة دينية، حيث اصطحبه كاهنه إلى فلسطين، وأمعن في تاريخ اليهود كما يرويه الكتاب المقدس، وأن كاهنه قال له: «إذا تخليت عن إسرائيل فإن الله سيغضب عليك، وان إرادة الله تقضي بأن تكون إسرائيل كما هي في العهد القديم لشعب إسرائيل إلى الأبد» وقال «كلينتون» الذي أصبح بعد ذلك رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية: «إن ارادة الله يجب أن تكون إرادتنا».
إنه نفس المعنى الذي قاله «جورج بوش» (الجد الأكبر 1796 1859) قبل مائة واثنين وسبعين عاما:
«ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزن (المسلمين) فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم واجدادهم».
وهو نفس المنطق الذي قاله «جورج فوكس» أحد أجداد الانجلو سكسون (1624 1691) الذي قال:
«أن تكون يهوديا باللحم والدم لا يعني شيئا. أما أن تكون يهوديا بالروح فهذا يعني كل شيء».
ولقد تنامت هذه الأفكار، وأصبحت هي المؤسس لقيام أمريكا أولا ثم إسرائيل:
* استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة (حالة الهنود الحمر والفلسطينيين).
* الايمان بفكرة «الشعب المختار» (أمريكا وإسرائيل). وهو أمر مختلف بينهما، إذ يسخر اليهود من الأمريكيين حينما يزعمون هذا الزعم، ونفس الاختلاف في انتظار كل من السلفيتين الأمريكية واليهودية. إذ ينتظر كل منهما عودة مسيح مختلف، فاليهودية لا تؤمن بعودة المسيح بن مريم عليه السلام الذي تؤمن معظم الأديان بعودته وقالوا عنه وعن أمه بهتانا عظيماً، وإنما يؤمنون بعودة «المسيح المخلص» الذي سيأتي في آخر الزمان من نسل داود، ليقيم مملكة داود، ويحكم ألف عام، على وفق ما ورد في «سفر الرؤيا» من «رؤيا يوحنا اللاهوتي».
* أفكار ومبادئ مثل: «إرادة الله»، القدر المتجلي، الشرف الأمريكي، الاختيار الإلهي، نشر الحرية، وهذه العقائد لا تؤمن إلا بنظرية «الجغرافيا الحيوية» التي تؤمن بأن «المكان الجغرافي للدولة المتفوقة كائن حي ينمو باستمرار ولا يموت» ولذلك فإن أيا من الكيانين الأمريكي والإسرائيلي، لا يعترف بأي حدود جغرافية، وليس في دستور دولة الشرف الأمريكي ما يشير الى ذلك. (عن هذه النصوص وغيرها، انظر: منير العكش، أمريكا والإبادات الجماعية، وفيه فصل عن «المعنى الإسرائيلي لأمريكا» بيروت 2002).
أما الدواعي الإسرائيلية الحالية، فهي تأتي نتيجة لسلسلة من التعقيدات، مرّ بها تاريخ اليهود عبر العصور، وأهمها الإعلان أن اليهودية ليست ديانة واعتقادا دينياً ووفاء بممارسة العبادة، وحسب، فتتساوى مع غيرها من الديانات التي تتعرض للتبدل والاندماج في ديانات وكيانات أخرى. ولا تزال ترن في أذهانهم بعض تلك الأحداث التي مرت بهم عبر التاريخ، وأدت إلى ضياعهم واندماجهم في المجتمعات الأخرى، وهكذا اتفق الأحبار والكهنة في أن جوهر اليهودية هي فكرة «الشعب المختار» الذي تؤكده نصوص التلمود. وعليه فإن دولة إسرائيل، خالصة لليهود «يهود الروح» لا يشاركهم فيها أحد، وهذا هو تفسير دعاوي «شارون» وتصريحاته، أنه لن يسمح بدخول أي فلسطيني إلى إسرائيل، من هؤلاء الذين هم خارج حدودها، وهو يعني أنه يحرم على اللاجئين الذين طردتهم دولة الاحتلال من أراضيهم عام 1948 و1967 حق العودة إليها، وأن أراضيهم هي أراض لهذا الشعب «اليهودي المختار» وليست «للأغيار» ولا يكف «شارون» في كل مناسبة عن الإعلان عن أن أساس ولب برنامجه الحكومي، هو عدم عودة اللاجئين، وليس ببعيد ما أعلنه أمام «الكنيست» في 22003/2/7 لنيل الثقة بحكومته:
«يجب أن تضمن كل تسوية سياسية يتم التوصل إليها في المستقبل مصالح إسرائيل التاريخية والأمنية والاستراتيجية. وعلى رأسها تخل فلسطيني عن المطلب الواهي المسمى «حق العودة» لإدخال أعداد كثيرة من الفلسطينيين إلى إسرائيل. وقيام مناطق أمن وعزل وحماية لتكامل ووحدة عاصمة إسرائيل «القدس» وستعمل الحكومة برئاستي لإحداث اختراق في موضوعات أخرى مهمة في حياة الدولة. سيكون الهدف المركزي والأكثر أهمية للحكومة الجديدة هجرة كبرى إلى إسرائيل. وسنعمل لتعزيز المشروع الاستيطاني الطلائعي في أجزاء البلد كافة وسنضع نصب أعيننا القدس عاصمة إسرائيل الموحدة وغير القابلة للتقسيم، وسنعمل لتوسيع المدينة، وتطويرها وتأكيد مركزيتها في حياة كل يهودي في البلد والشتات».
(مجلة الدراسات الفلسطينية ص 135، عدد 54، ربيع 2003).
وما يشير إليه «شارون» بالهدف المركزي، هو السعي لتحقيق هجرة مليون يهودي بحلول عام 2020 ليصبح عدد يهود إسرائيل سبعة ملايين، متزامنا مع التقديرات الحكومية بأن يصبح عدد السكان المحتلين اليهود ستة ملايين بحلول ذلك العام. حيث يبلغ عدد السكان اليهود خمسة ملايين الآن. بينما يبلغ عدد الفلسطينيين أكثر من ثمانية ملايين، النسبة الغالبة منهم خارج فلسطين من المهجرين، تبلغ نسبتهم حسب المصادر الفلسطينية 54%. من هنا يستعير «شارون» وكل المتطرفين في إسرائيل، ومن خلفهم السلفيون الجدد في أمريكا، دعاوى «العهد القديم» بأن اسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية، هي مأوى «يهود الروح».
وتتسم المخاوف الإسرائيلية بالرغم من سعيها لتحقيق «الهدف المركزي» بالاعتبارات التالية:
أن الفلسطينيين العرب داخل فلسطين 1948 يتزايدون بنسبة 3% سنوياً مقابل 1% لليهود أو مدعى اليهودية من الصهاينة.
سيصبح عدد الفلسطينيين مليوني نسمة (عرب 1948) وليس بينهم الذين اجلوا بعد حرب 1967، مقابل سبعة ملايين صهيوني عام 2020 بحساب الرهان والحلم الاسرائيلي. وهذا يجعل نسبة الفلسطينيين إلى جملة اليهود ستزيد من نحو 20% إلى أكثر من 30% وسيعبرون نسبة 50% قبل بلوغ منتصف هذا القرن، وهو الخطر الذي يعتبره مخططو السياسية الاحتلالية الصهيونية «قنبلة ديموغرافية موقوتة» وبالتالي سيجعل إسرائيل الدولة «دولة ثنائية القومية» وليست خالصة لليهود.
بحسب الإحصاءات الفلسطينية الرسمية، يبلغ تعداد السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية عام 2003 (544 ،721 ،3)، وتشير مؤشرات تعداد السكان المتوقع في عام 2024 الى أن تعداد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية سيرتفع الى (001 ،320 ،7) نسمة.
وبحسب دراسة أعدها المعهد اليهودي للتخطيط مؤخرا، سيكون عدد العرب في عام 2015 ممن يسكنون ما بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط، أكثر من عدد اليهود، ويعلق «أوري درومي» مدير شعبة التواصل الدولي في المعهد الديموقراطي الإسرائيلي في القدس، على هذه النتائج بقوله:
«هذه الاحصائية المباشرة تحمل معنى واحدا. اذا ما أبقت إسرائيل الضفة الغربية وغزة تحت سيطرتها، فسيتوجب عليها الاختيار بين أمرين مؤلمين: إما فقدان شخصيتها اليهودية، أو التوقف عن كونها دولة ديمقراطية، وبعبارات أخرى، إذا ما أرادت إسرائيل أن تحافظ على بقائها يهودية وديمقراطية معا، فإن عليها الأنسحاب من الأراضي».
إزاء هذا الوضع ستلجأ حكومة الليكود وكذلك حزب العمل والاحزاب الدينية المتطرفة إلى حلول عنصرية، تهدف إلى تفكيك الكتل السكانية في المدن الفلسطينية في الخليل والنقب، ثم تُرحل أصحابها من الفلسطينيين الى الأراضي التي تخضع للسلطة الفلسطينية، وقد انبرى عديد من الأكاديميين الإسرائيليين، في طرح رؤاهم في المسألة الديموغرافية، أو ما تُطلق عليها الصحافة الإسرائيلية مصطلح «الساعة السكانية» فطرح «أرنون سوفير» الاستاذ بجامعة حيفا فكرة «الفصل الأحادي الجانب» التي بدأ يعتنقها رئيس الوزراء شارون، وقدم هذه الدراسة لأحد المعاهد المعنية في إسرائيل بتقديم دراساتها لصانع القرار في الإدارة الإسرائيلية، وكانت هذه الدراسة التي صدرت قبل ثلاث سنوات أحد محاور مباحثات «كامب ديفيد الثانية» وهي بعنوان «إسرائيل ديموغرافيا 2000 2020 واعتبر «الفصل الآحادي» التام حلا لا بديل عنه، في مقابل تزايد عدد السكان الفلسطينيين، الذي يصفه بالخطر، واقترح في هذا الشأن إقامة شبكة حدود آمنة بين الكيان العنصري الإسرائيلي ومناطق السلطة الفلسطينية «وفصل البنى التحتية المتشابكة منذ عدوان 1967 من مياه وصرف صحي وكهرباء، ودفع الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس بالقوة إلى الرحيل إلى الأردن ودول عربية أخرى» (انظر: كارم يحيى؛ رهان المليون السابع. اليهود والهجرة الصهيونية حتى 2020؛ ص 29: القاهرة 2002)، ويتوافق هذا التوجه مع عقيدة حكومة الليكود، التي تعمل على استلاب أراضي الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية وعدم تمكين أصحابها منها.
هذه الحكومة التي تلوح الآن بإقامة «الجدار الآمن» الذي سيفصل المناطق التي ستمنحها للفلسطينيين. والمناطق التي تستولي عليها إسرائيل، وهي عودة إلى الجذور والفكر اليهودي السلفي الأصولي.
لذلك فإنه ووفقاً لهذا الدعم المطلق والمعلن، من الدولة الراعية لخطة السلام المعروفة «بخارطة الطريق» تبدو الأمور مقلوبة، وغير واضحة. إلا بفرضية الغالب على المغلوب، والا كيف يتم فهم الأمور وفق فهمها الصحيح المتجرد.
لقد أقامت قوات الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين منذ عام 1948 وحتى 1969م (753) مستوطنة وبقيام حرب عام 1967 المشؤومة فقد الفلسطينيون ما تبقى لهم من أراضيهم وبمجيء السفاح «شارون» إلى الحكم في مطلع عام 2001 أعلن «أنه مستعد للقبول بتنازل مؤلم جداً، بالسماح باقامة كيان فلسطيني على 42% من الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967» وهذا يعني أن ما احتلته القوات الإسرائيلية في ذلك العام وأقامت عليها مستعمرات بلغ عددها 194 مستعمرة حتى عام 1992...
ما هي إلا أراض كاملة من أراضي العقيدة اليهودية، ويعتبر شارون ومن قبله الرؤساء الذين حكموا الكيان الصهيوني من حزب «الليكود» من الرؤساء الذين تم في عهدهم إنشاء مزيد من المستوطنات، ففي عهده تم إنشاء أكثر من أربعين مستوطنة، قياساً بعهد سلفية «نيتنياهو» و«باراك» حيث انشئ في عهديهما (37) مستوطنة. (الإحصاءات مصدرها مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، السلطة الفلسطينية، الهيئة العامة للاستعلامات).
وتقوم عقيدة حكام إسرائيل على مفهوم محدد لإقامة المستوطنات، هو ما عبر عنه أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي السابقين «يشعياهو بن فورت» في وقت مبكر قبل عام من حرب عام 1973 بقوله:
«إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة الأراضي وتسييجها».
لكن الآراء الإسرائيلية لعديد من الكتاب الإسرائيليين، أخذت تتعالى في هذا الوقت بالمطالبة بإخلاء المستوطنات وازالتها، ويقول احد أهم كتاب ها آرتس «زائيف شيف» 2003/5/9 في مقال بعنوان «مستنقع أكاذيب النقاط الاستيطانية»:
«يتراوح عدد النقاط الاستيطيانية الموجودة اليوم (مايو 2003) ما بين 90 الى 100 نقطة (!)، وهو ما يعني أنه رغم التعليمات المتكررة لإخلاء نقاط استيطانية والإخلاء المزعوم الذي حدث على الأرض، ازداد عدد النقاط الاستيطانية من مايو 2001 حتى مايو 2003 من 66 إلى ما بين 90 و100» نقطة استيطانية. أي أنه في موضوع النقاط الاستيطانية يتم إشاعة أكاذيب تمس في النهاية بسمعة دولة إسرائيل. أليس هذا كذبا يحاط به الأمريكيون علماً وفي شبه بيانات رسمية.
أليست القصص حول لجان وزارية وغيرها، تدرس بعناية الوضع الدقيق لكل نقطة استيطانية، هي جزء من الكذب الكبير، ويا لخسارة وقت أعضاء اللجان، إلا اذا كانوا هم أيضاً شركاء في الكذب.
من الواضح أن إقامة نقطة استيطانية، بدون تصريح، على أرض عربية خاصة هي سطوفي وضح النهار. ولكن عندما يحاولون خلق انطباع بأن بعض النقاط الاستيطانية لها مشروعية معينة وبأن هناك حالات شاذة محدودة فقط على الأرض، فإن السؤال هو: «مشروعية في نظر مَنْ؟».
(الترجمة من مجلة: مختارات إسرائيلية، عدد يونيو 2003، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام القاهرة).
وفي مقال آخر يشير أحد كتاب جريدة «معاريف» 2003/5/1 «يا عيل بازملميد» إلى أن أكثر من ستين مستوطنة غير قانونية، وفي كل واحدة منها تقيم اسرتان أو ثلاث أسر. وهذا يشير الى ان بعض المستوطنات ما هي إلا كيانات اقيمت لدواعي الضغط السياسي في أية مباحثات بصرف النظر عما تتكلفه ميزانية الحكومة الإسرائيلية التي تعاني من عجز متنام، ويتحمل دافعو الضرائب أعباء اقامة على المستوطنات المقامة على أسس واهية. ويؤكد هذا الكاتب:
ج «ان اليد التي دعمت، بشكل غير مباشر، إقامة المستوطنات غير القانونية، لن تكون هي اليد التي ستقوم باستئصالها. وللأسف الشديد فالفلسطينيون سوف يمدونه بما يكفي من الأسباب كي لا يفعل أي شيء بالانفجارات المروعة التي يقومون بها. وسوف يستغرق أبو مازن وقتا حتى ينجح في السيطرة بعض الشيء على الإرهاب. ولكن من أجل أن يحدث هذا، يجب أولاً أن يحقق بعض الإنجازات. مثلا، من المعروف أنه لا يوجد حل لمسألة، البيضة أم الدجاجة، الاحتمال الوحيد هو كسر البيضة، وبذلك يقطع الصلة الوثيقة بينها وبين الدجاجة. ولو كان شارون زعيماً حقيقياً كان هذا ما سيفعله».
(مختارات إسرائيلية، المصدر السابق).
وفيما بين ما هو أصولي وسياسي، تبرز أهمية المقاومة، والكفاح المسلح اللذين يقوم بهما أبناء فلسطين، بصرف النظر عن المسميات التي ينطوون تحتها، كأحد أهم أسباب الضغط على هذه الحكومة الإسرائيلية الاصولية المتطرفة، التي تحظى بدعم حكومة يمينية أصولية هي حكومة «جورج بوش الأبن» وفي غياب دور عربي عربي موحد ضاغط يمسك بأهم أسباب توجيه القرار السياسي، لا تزال المقاومة الفلسطينية، المدعومة بتسارع «عقارب الساعة السكانية» هي الحلم المؤرق المزعج لكل مخططات الأصولية اليهودية، وسوف يكون لها دورها المؤثر، في تردد كثير من اليهود لمجرد التفكير في الهجرة إلى اسرائيل. ويبق السؤال الدائم: منهم «الأغيار» على هذه الأرض الفلسطينية.
إقامة نقطة استيطانية، بدون تصريح، على أرض عربية خاصة هي سطوفي وضح النهار
|