عندما كنت في المدينة المنورة، كانت الاستعدادات تجري، للتجهيز لمهرجان الزفاف الجماعي، والذي ضم عندما انطلق نهاية الاسبوع الماضي (31) عريساً، لم يدفع أي واحد منهم أكثر من أربعة آلاف ريال، أما إذا كان هناك أكثر من أخ فإن الواحد منهم لن يتكلف أكثر من ثلاثة آلاف ريال، وهذا المبلغ الرمزي يزيل عن كاهل العريس، كافة الأجور الأخرى التي تتضمن أجور: قصر الأفراح، الولائم وما يدخل بينهما من خدمات، وبحسبة بسيطة نجد ان حفلة الزواج التي تتكلف في المتوسط أربعين ألف ريال للعريس الواحد، أسقط من مبلغها، صفر غال، لتصبح أربعة آلاف ريال.. وفي المنطقة الشرقية أقيمت قبل أيام حفلات عرس جماعية في العديد من قرى الاحساء، ضمت أكثر من تسعمائة عريس، ولم تكلف هذه الحفلات مجتمعة أكثر من مليوني ريال، بمعنى ان كل عريس، لم يتكلف ليدخل إلى دنياه الجديدة، أكثر من ألفين وخمسمائة ريال.. وقد احتوت حفلات المدينة، والمنطقة الشرقية، على أهازيج ومدائح.. مع كمٍّ هائل من العروض الفلكلورية التي تعطي صورة لأبناء اليوم عن عادات آبائهم وأجدادهم!
ورغم جمال هذه الاحتفالات السنوية، التي تشهدها المنطقة الشرقية، والمدينة المنورة، وربما غيرها من المدن، وما تحتوي عليه من معان سامية، وتكافل اجتماعي مطلوب، وتحسس لمشاكل ومعاناة الشباب، إلا ان السؤال الذي يطرح نفسه علينا يتعلق بدور البلديات المطلوب في مثل هذه الحالات، فالبلديات في العديد من دول العالم، ومنها الدول العربية لديها قاعات عامة، مخصصة لحفلات الزفاف تقدم لمن يرغب نظير أجور رمزية ان لم يكن مجاناً، مع تحويل بعض الحدائق العامة، في الفترة المسائية، لمثل هذه الاحتفالات وبذلك فإنها تفك أزمة غير القادرين على أجور قصور الأفراح من عامة الناس.. فقد وصلت أجور بعض هذه القصور خلال فترة الصيف بالذات إلى أرقام خرافية، وكأنهم يقدمون مع باقة الورود والرياحين سلسلة لتكبيل يدي العروسين طوال العام، حتى يتمكنوا من تسديد أجور القصر والطعام!
لقد كانت حفلات الزفاف في السابق تتم في غاية من البساطة وعدم التكلف، فقد كانت باحة الحوش أو الحارة تقوم مقام القصر، وكانت تكاليف الأكل والشرب تتم عبر مايعرف ب «الرفد» أو «القود» وهي عبارة عن مواد تموينية متعددة، يستخدم منها قدر الحاجة أما الباقي فإن والد العريس يذهب به حال انتهاء العرس إلى أحد متاجر المواد الغذائية ليستقبلها منه ويعطيه قيمتها، ومن هذه القمية يسدد العريس ما عليه من التزامات للطباخ وصاحب القدور وأواني الشاي وغيرهم، وبذلك فإن العريس لم يكن يتكلف في زفافه أكثر من المهر، وكان في مقدور الجميع لأن الأعراف القبلية والعائلية كانت تلعب فيه دوراً بحيث يتناسب مع قدراته بل إن بعض الأسر كانت لاتطلب إلا مهرا رمزياً. أما الزفاف فإنه يتم أحياناً في منزل والد العروس، وبذلك يزيح عن كاهل العريس مصاريف هو أولى الناس بها في مقبل أيامه.. الآن وفي المجتمع الاستهلاكي، الذي نعيش فيه، تعددت الطلبات والالتزامات، التي قد تطلب من أهل العريس وأهل العروس، من الجهاز إلى الشقة الفاخرة، ومعها ما لاحصر له من الهدايا وحفلات الخطوبة ثم الزواج والزوارة التي قد لا تتم إلا في فنادق خمسة نجوم، ولكم ان تقدروا مقدار المبالغ التي تهدر والتي تتكلفها الأسرتان وفي مقدمتهما العريس الذي ربما قتر على نفسه لتكون ليلة عرسه مثل أقرانه.. الذين لم يكتفوا بما سبق من مظاهر بل إنهم قد يضيفون عليها رحلات شهر العسل إلى مدن وجزر الأحلام، لكن عاجلا أو آجلاً، سيعود العروسان، لتسديد فاتورة كل ذلك للأهل والأصدقاء والتجار!
لقد أعجبتني فكرة الزواج الجماعي، لذلك فإنني أتمنى ان يكون للصناديق المخصصة لمساعدة الراغبين في الزواج والبلديات ورجال الأعمال دور في تكثيف هذه الفكرة لعلهم -على الأقل- يساهمون في حث القادرين على عدم المبالغة في حفلات زواج أبنائهم، وفي حث اصحاب قصور الأفراح على عدم الشطط في أجورهم، وكأنهم ينتقمون من كل مقبل على الزواج.. وكل عام وأبناؤنا وبناتنا يتزوجون عبر مظاهر بسيطة ويتكاليف أقل، ففي النهاية الفرحة لهم، أما نحن، فلن نقصر في ملء بطوننا بما نراه أمامنا وربما خرج بعضنا رغم ضخامة المعروض من الأكل والشراب، شاكيا من ملوحة الأرز وعدم نضج اللحم!
فاكس: 4533173
|