لقد كثر الحديث عن حوادث المرور وحركة سير المرور وجهاز المرور وعن الاختناقات والمخالفات المرورية وذلك من خلال ما طرح عبر وسائل الاعلام المختلفة من صحف وغيرها، ومن ضمن الذين اثاروا هذا الموضوع وكتبوا عنه، الاخ الاستاذ/ عبدالله الكثيري احد محرري جريدة «الجزيرة»، والهدف من ذلك، هو التطرق للأسباب والمسببات وتقديم الآراء والمقترحات التي تقود أو توصل إلى نتيجة، لان هذا الموضوع جدير بالاهتمام.. وقبل ان اقوم بتوضيح بعض النقاط الهامة حوله، اود ان اعود بالقارئ الكريم الى الوراء، لاستعرض باختصار كيف كان المرور قبل اربعة عقود مضت من الزمن.. لقد كانت اقسام ومخافر المرور في مدينة الرياض وغيرها من المدن قليلة والامكانيات متواضعة جدا، أي لا يتوفر اجهزة اتصال ولا معدات حديثة ولا اشارات ضوئية، الا في بعض تقاطعات الشوارع، وفي ذلك الوقت المرور كان له هيبة واحترام لنظامه من قبل الجميع، رغم انعدام التعليم والثقافة، الا انه كان يوجد وعي فكري وتعاون، واغلب السائقين في ذلك الوقت من متوسطي الاعمار، فكان رجل المرور يرتدي بدلته ذات الأكمام الطويلة والنطاق الابيض، ويذهب من المخفر إلى مكان عمله مشيا على الاقدام أو على دراجة عادية فيقف في التقاطع بكل حزم وصلابة ودون تساهل مع من يخالف، وليس معه الا الصافرة وحركة يده التي يستخدمها كإشارة لتوجيه حركة السير، فيوقف هذا الاتجاه ويسمح للاخر بالحركة واذا حصلت أية مخالفة من احد السائقين فانه يستخدم الصافرة بشدة فيعرف السائق المخالف انه هو المقصود، فيصحح غلطته، فتجد السيارات تنساب من حوله بانتظام وهدوء، فلا مخالفات تذكر لان المرور كان متواجدا وحازما والكل يحترم المرور ونظامه في ذلك الوقت.. ومع مرور الزمن والتقدم والتطور المذهل الذي تشهده المملكة والذي عم جميع ارجائها وشمل مدنها وقراها، وهذا التطور تطور معه، منسوبو المرور وادارته واقسامه واجهزته ومعداته وآلياته، ولكن ماذا بعدها؟!!
من هنا نجد ان المرور مكتمل من حيث الجاهزية ولديه المقدرة التامة للتعامل مع الاوضاع المرورية في الوقت الراهن وقد قام بجهود جيدة، لكنها لا تكفي ولا توازي حجم المخالفات التي تزداد يوما بعد يوم وتنتشر في كل مكان، وما ذلك الا نتيجة التسامح الى حد كبير مع السائقين الذين يرتكبون المخالفات الكبيرة عمدا حتى تمادوا واستفحل امرهم فمعظم قائدي السيارات قد تجاوزوا واستهتروا بكل شيء اسمه نظام، وبنسبة كبيرة قد تصل الى 70% ولعل أكبر دليل وشاهد على ذلك هو الكثير من ارتكاب المخالفات ومن جرائها تقع الحوادث المروعة التي حدثت وتحدث على مدار الساعة في كل الطرق كبيرها وصغيرها إلى درجة ان الشخص اصبح متخوفا وغير امن على حياته وحياة اسرته اثناء قيادته لسيارته من كثرة ما يشاهد من الحوادث الشنيعة المؤسفة التي تقع امام عينه والتي يسمع ويقرأ عنها، انها جرائم قتل وحرب ابادة مستعرة ومستمرة وتبيد وبشكل جماعي وكم اودت بحياة الكثير من الاسر والافراد الابرياء وخلفت وراءها العديد من الارامل والايتام والمعاقين الذين لاذنب لهم، فالجنائز التي يصلى عليها يوميا واقسام المستشفيات تؤكد وتثبت ذلك علاوة على التلف الكبير في المركبات، كل ذلك كان نتيجة التهور واللا مبالاة من فئة، لا يجدي معهم التسامح والتساهل ابدا، لقد تمادوا في ارتكاب المخالفات وتجاهلوا الانظمة عمدا دون وازع من ضمير او رادع، فهم يسيرون بسرعة جنونية وبكل رعونة وتهور داخل المدن وخارجها على الطرق السريعة وغيرها ويقطعون الاشارات الضوئية عمدا وهي في لونها الاحمر في رابعة النهار، بل في كل الاوقات وقاموا بعكس السير، في أكبر الشوارع ذات الاتجاهين- الوقوف الازدواجي والتسكير على الاخرين- الوقوف في المنعطفات وعرقلة حركة المرور- الخروج المفاجيء على الطرق العامة وكم نتج عن ذلك من الحوادث المؤلمة- والتفحيط والازعاج في كل الاماكن والاحياء والحارات، ولم يبق من المخالفات لا كبيرة ولا صغيرة الا ارتكبوها وهذا الوباء لم يكن في المدن الكبيرة وحدها بل أصبح منتشرا في كل المدن والقرى حتى البراري والاعشاب والمتنزهات لم تسلم من عبثهم اتلفوا ودمروا كل ما ينفع الناس، اما عن الوضع حول مساجد صلاة الجمعة نجد البعض قد اغلقوا بسياراتهم جميع الشوارع والمنافذ المحيطة بها فلا يستطيع كبير سن او معاق ان يصل اليها او يخرج منها بسهولة «اين حديث اماطة الاذى»، ولعل هناك بعض المسببات ومن اهمها تسامح او سماحة المرور وطيبة نفسه وتساهله مع المخالفين وهذا لا يعني ان المرور غير قادر على احكام السيطرة وتعقب ومتابعة ومعاقبة المخالفين المتهورين فهو قادر على ذلك متى ما اراد لانه عندما قام بتطبيق النظام في موضوعين.
نلاحظ انه قد نجح وبامتياز، وهما نقل ملكية السيارة وربط حزام الامان، فهذان الموضوعان لا يصلان من حيث الاهمية إلى درحة جرم السرعة الجنوبية وقطع الاشارة وما في مستواهما من حالات المخالفات والتهور الذي يكون سببا في قتل الاخرين، فالدولة رعاها الله قد حرصت على سلامة المواطن وامنه واستقراره وهذا ما لمسناه وشاهدناه، فعندما يرتكب شخص ما جريمة قتل فان اجهزة الامن لا تهدأ حتى يتم القبض عليه وتقديمه للعدالة، بينما القتل الجماعي في حوادث المرور بسبب التهور لا يرقى إلى درجة قتل شخص واحد بمسدس أو أي وسيلة قتل اخرى ويكتفي بالقول في قتلى الحوادث ان هذا قضاء وقدر والقتل بالمسدس جرم وليس بقضاء وقدر، فهل قل الاحساس وتبلدت الاذهان بسبب كثرة الحوادث واصبح قتل الانفس بالسيارات امراً مباحاً مسلماً به وعادياً، (انا لله وانا اليه راجعون)، ان هذا الموضوع مهم جدا وبحاجة إلى نظرة جادة ومعالجة لاوضاع الكثير من الشوارع والتقاطعات والمداخل والاشارات التي تعيق وتسبب حوادث ووضع ضوابط قوية وعقوبات صارمة ورادعة للذين يتطاولون على النظام في ارجاء المملكة مدنها وقراها وذلك من قبل من يعنيهم الامر وعلى راسهم رجل الامن الأول صاحب السمو الملكي الأمير المخلص نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية حفظه الله هذا الرجل الذي لا يقبل شفاعة في مجرم ولا تأخذه في الحق لومة لائم في سبيل الحق والعدل والانصاف وقد لاحظنا وقفة سموه الشجاعة ضد مجرمي التفجيرات وغيرهم من العابثين.
والحديث لايزال عن المرور- كما ان قصر مدة الضوء الاخضر في الكثير من الاشارات من أكبر معوقات حركة السير لانها لا تسمح الا لعدد قليل وتغلق فتتكدس السيارات مما يجبر السائقين على قطعها ومن ثم تحدث الفوضى والحوادث- بعض المداخل والمخارج في بعض الشوارع وضعت بطرق عشوائية وتسببت في وقوع الكثير من الحوادث أي ان الذي يريد الدخول الى الطريق الرئيسي من خط الخدمة أو العكس فانه يجد صعوبة في ذلك ولعل طريق ديراب يشهد على صحة ذلك والشواهد كثيرة- الكثير من الشوارع الكبيرة لا يوجد فيها جزر في الوسط تسمح بالدوران الا من خلال تقاطع مع نفق أو اشارة ولمسافات طويلة وهذا يسبب تجمع واحتشاد السيارات عند الاشارات والتقاطعات ويزيد من الزحام- الاكتاف «طرق الطواريء» الموجودة الان على جانبي الطريق الدائري الجنوبي والشرقي هي من أكبر المسببات للكثير من الحوادث التي تقع بسببها يوميا وتغلق الطريق نهائيا لان الحادث الواحد قد يشترك فيه عدد يتراوج بين 3-6 سيارات وتبقى حركة السير متوقفة تماما حتى يحضر المرور ويقرر في الحادث، ومن ثم يتم تحريك السيارات المشتركة فيه واذا كان الحادث بين سيارات كبيرة فانه لابد من البحث عن رافعة كبيرة وهذا ما يزيد الطين بلة ويؤخر الموظفين عن اعمالهم والطلاب عن مدارسهم، وفي مثل هذه الحالة ينبغي ان يقوم المرور في أي طريق يقع فيه حادث بتحويل حركة السير مع اقرب نقطة حتى يفك الاختناق ولا يكون في ذلك تعطيل للمصالح العامة والخاصة، فلو اشتعل حريق لاقدر الله فإن مئات من السيارات المتوقفة ستحترق والخسائر ستكون كبيرة وبليغة جدا، وحبذا لو اضيفت الاكتاف الى الطريق بحيث يصبح اربعة مسارات بدلاً من ثلاثة لان ذلك سيكون فيه سعة للطريق وتسهيل لحركة السير وتقليل من الحوادث واعادة النظر في ارصفة الطريق ذات المساحات الكبيرة واستغلالها للاستفادة منها كمواقف للسيارات التي تصاب بعطل حتى يتم اصلاحها او سحبها لانها تشكل خطورة على حياة الاخرين- الكثير من تقاطعات الشوارع عند الاشارات ضيقة جدا ولا تسمح بمرور من يريد ان ينعطف الى اليمين بسهولة فيجبر ان يقف مع ارتال السيارات وذلك لوجود ارض فضاء أو بناية تحتل الزاوية والافضلية في هذه الحالة لها كما ان بعض المباني التجارية أو المساجد التي تقام على حواف الشوارع والطرق العامة يكون ضررها أكثر من منفعتها لانها تسبب إعاقة وحوادث، السماح لأغلب العمال بامتلاك وقيادة سيارات قديمة متهالكة لا تستطيع السير مع الصحاح وهذه النوعية تشاهد بكثرة بالاضافة إلى قلة مهارتهم في القيادة، مما يربك حركة المرور ويسبب الكثير من الحوادث ويشاركهم عمال النظافة بترك الحاويات في وسط الشوارع بعد تفريغها فتكتمل الصورة من السلوكيات من هذا الجانب؟! - ايضاء من مسببات الحوادث السير ببطء في الطرق السريعة ذات الكثافة المرورية لان ذلك يعيق حركة السير ويوقع الحوادث التي لا تقل خطورها عن حوادث السرعة كذلك وجود بعض الشاحنات وسيارات الخدمات التي تواكب حركة الموظفين وطلاب المدارس- كما ان غياب النقل الجماعي وعدم تفعيل دوره اجبر كل شخص سواء كان موظفا حكوميا أو في قطاع خاص على ان يقود سيارته ويذهب الى عمله بمفرده وهذا يعتبر احد العوامل السلبية التي تسببت في الزحام وكثرة الحوادث وبالتالي قلة المواقف عند الدوائر الحكومية أو حولها بسبب الكم الهائل من السيارات.. ومن هنا فان الضرورة تحتم وجود وسائط نقل متوسطة الحجم لنقل 10 إلى 15 راكبا، لتساهم في التخفيف من الزحام وتقلل من الحوداث والتلوث وتزيد من عمر الطرق وتختصر الوقت، فلو قامت بعض الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات بتأمين عدد قليل من السيارات لنقل بعض موظفيها ولو باجر رمزي وذلك كتجربة فانه من المؤكد ان الكثير من الموظفين لايمانع في ذلك لان فيه فائدة ومنفعة ومصلحة للجميع وسيساعد الى حد كبير في تخفيف الزحام والتقليل من الحوادث.. فمتى ما نوقشت ودرست هذه النقاط من قبل لجان مخولة ومتخصصة ولديها الصلاحية والمقدرة التامة للمعالجة والتطبيق والتنفيذ بموجب خطط ولو على مراحل حسب الاولوية والاهمية وذلك لمساندة ودعم المرور في كل ما يحتاج اليه من افراد ومعدات واجهزة من اجل ان يتمكن من انجاز كل المهام الموكلة اليه على الوجه المطلوب، فانها حتما ستساهم ان شاء الله في حل اهم وابرز المواضيع المتعلقة بزحام وحوادث المرور المروعة والمرعبة، ومثل هذا الموضوع لا بد من تطبيق الانظمة الخاصة به بكل حزم وصرامة مع كل من يخالف وأن تتخذ بحقه أشد العقوبات الرادعة مع اصدار التعليمات والتحذيرات المكثفة عبر وسائل الإعلام المختلفة على مدار الساعة واجراء مقابلات وعرض افلام للحوادث ومحاضرات لطلاب المدارس والموظفين وفي المساجد وفي كل مكان من أجل التوعية بمخاطر حوادث السيارات وما نجم عنها من اضرار والحث على التعاون واتباع ارشادات وتعليمات المرور والتقيد بها التي وضعت من اجل امن وسلامة الجميع «اعقلها وتوكل» ففي هذا الجانب الاعلام مقصر جدا بل لم يكن له دور يذكر وخاصة التلفزيون والاذاعة، لان الامر يتطلب ان يكون هناك برامج مستمرة خاصة بالمرور كما ان المرور لم ولن يتغلب ويسيطر على الوضع بدون تعاون المواطنين والمقيمين وتذليل كل ما يحد من دوره وفاعليته، أمل ان اكون قد وفقت وساهمت بنقل موضوع يهم كل شرائح المجتمع وعرضه امام انظار المسؤولين الذين لا احد يشك في تفانيهم وحرصهم على كل ما يخدم الوطن ويزيل معاناة المواطن.. اسأل الله العلى القدير ان يحفظ بلادنا من كل سوء وان يديم امنها وعزها في ظل قادتها الاوفياء.. هذا والله من وراء القصد، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم.
عبدالله بن حمد بن سلمان السبر
|