مما تقتضيه الضرورة أن يكون المثقف النبراس الذي تهتدي به الأمة والوقود الذي يعتمل بمرجلها دائماً، والطريق الموصل بها إلى بر الأمان، وإلا فما ضرورة الحديث عن الضمير الحي والحس المرهف ومحاكاة الناس في واقعهم ومعايشتهم وغيرها من الصفات التي تلتصق بكل مثقف وترافقه كظله. ومما تقتضيه طبيعة الظروف التي تمر بها الأمتان العربية والإسلامية من هجمة شعواء يتزعمها اليهود والغرب، فمن الضرورة أن يكون ثمة هدف واحد يجتمع عليه المثقفون العرب منهم والمسلمون تتجلى فيه روح العمل الدؤوب من أجل خدمة قضايا هذه الأمة، ويكون ذلك عبر توضيحهم ورسمهم للخطط التي يجب أن يتبعها الساسة لسلوك الطريق الموصل لشعوبهم إلى مبتغاهم، بحيث يكون المثقفون هم الناظمين لآليات العمل المستقبلي المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية، هذا هو الدور الحقيقي للمثقف في أي مجتمع كان والذي لا يمكن أن يرقى إليه شك. ولكن على ما يبدو أن ما يقتضيه الواقع الفعلي لدور العديد من المثقفين على الأرض مغاير تماماً لما تقتضيه الضرورة، بل ولما تمليه عليهم ضمائرهم أيضاً إذ أن الكثير من الكتاب والمثقفين الذين ينتشرون من شط العرب إلى البحر الأبيض المتوسط لا ينفكون عن مداهنة الأنظمة التي يقبعون تحت سطوتها وبالتالي تسير كتاباتهم وفقاً لما يمليه عليهم الضمير الميت المنافق لا الضمير الذي يقتضيه الواجب المهني والواقع المفروض أيضاً. وبرأيي فإن الشعوب العربية اليوم قد حلت محل المثقفين فأصبحت تقوم بدورين رئيسيين هما: دور المثقف ودور تنفيذها للخطط التي وضعتها إذ شكلت بتطلعاتها المتزايدة على الحكومات والقاضية بضرورة التحرك الفعلي تجاه تنفيذ مطالبهم قد يقول البعض إننا بذلك نظلم المثقفين أو بعضهم على أسوأ الأحوال ونلومهم على أشياء ليس بمقدورهم القيام بها وقد يكون ذلك صحيحا لكنه لا يطول حتى نكتشف غير ذلك، إذا ما وصل هذا السقف لدرجة أن يبتاع المثقف ويشتري دون أن يدري أو أن يكون مأجوراً فيضع ضميره وحسه جانباً.
وأنا هنا لا أطلب المستحيل بقدر مطالبتي المثقفين بالاطلاع على قضايا الأمة وقول رأيهم الحقيقي دون خوف.
|