لا بد من رعايةٍ خاصة للأولاد تقوم على تقدير ما أودع الله فيهم من القدرات والمواهب التي يتميزون بها، ولا تتحقق تلك الرعاية إلا بالثقة بهم. وبقدراتهم، وبإعطائهم حقَّهم من الرعاية والعناية والتقدير، لأن ذلك يحرِّك فيهم الحماسة، ويذكي فيهم روح العمل، ويكوِّن شخصياتهم تكويناً صحيحاً قائماً على ثبات الموقف، ورباطة الجأش، والوضوح، والقدرة على العمل النافع، ويحقِّق لهم من «الصحة النفسية ما يستطيعون بعون الله أن يواجهوا به مشكلات الحياة.
إن اهتزاز ثقة أولياء الأمور في أولادهم ذكوراً وإناثاً يسبِّب قدراً من الإرباك لهم يعطِّل مواهبهم، ويحول بينهم وبين الانطلاق للإبداع والإنتاج المتميِّز، والمواجهة الواعية لما يصطدمون به من مشكلات الحياة ومغرياتها.
ويقابل ذلك إعطاؤهم الثِّقة، ورفع معنوياتهم، وتقدير مواهبهم ومراعاة ما بينهم من الفوارق العقلية والنفسية التي لا تخفى على من يعيش معهم ويرعاهم منذ ولادتهم.
الثقة بالأولاد تدفعهم إلى الأمام، وتزيل عنهم غبش الحيرة وتحميهم من عثرات الاضطراب.
وكم من ذي مكانة علمية أو فكرية أو أدبية أو اجتماعية أو غيرها يذكر فيما يسرد من سيرته دور أسرته في دفعه إلى العطاء بما منحته من الثِّقة به، والتشجيع لمواهبه وقدراته.
وللصِّغار من القدرة على الفهم والاستيعاب ما قد يغفل عن تقديره الكبار بسبب انشغالهم عن أولادهم، وكم من أبٍ وأم فوجئا بمعرفة أولادهما الصغار بأمورٍ ما كانوا يتوقَّعون أنهم يعرفونها، وباتخاذ مواقف ما كانوا يظنون أنهم قادرون على اتخاذها، وما ذلك إلا بسبب عدم تقدير الكبار لمواهب الصِّغار، وعدم العناية بهم، والثِّقة بما لديهم.
يقول الإمام سفيان بن عيينة، كنت على باب المسجد، فإذا شيخ على حمار، فقال لي: يا غلام، أمسك عليَّ هذا الحمار حتى أدخل المسجد فأركع، فقلت: ما أنا بفاعل، أو تُحدِّثَني! قال: وما تصنع أنت أيها الغلام بالحديث؟ ورأيته استصغرني فقلت: حدثني لترى، فحدثني بثمانية أحاديث، فأمسكت حماره، وجعلتُ أحفط ما سرده عليَّ، فلما صلَّى وخرج قال: هل نفعك ما حدثتك به؟ فسردت عليه ما حدثني به، فعجب مني وقال: بارك الله فيك، تعال غداً إلى مجلسي، فلما ذهبت اليوم الثاني عرفت أنه العالم القدير، عمرو بن دينار.
ويقول القاضي إِياس بن معاوية: إنَّ أوَّل شيء حكاه الناس عني أني كنت في مجلس رجل من أهل الذمَّة وأنا صبي فاجتمع إليه أصحابه، فقال: ألا تعجبون من أهل الإسلام، يقولون: إنهم يأكلون في الجنة ولا يتغوَّطون، فأيَّد القوم كلامه ولم يلتفتوا إليَّ لأنني صغير، فقلت: يا معلم، أليس الدنيا ضَرَّة الآخرة؟
قال: بلى، قلت وهل كلُّ ما يأكله الناس في الدنيا يخرج غائطاً؟، قال: لا قلت: فأين يذهب؟ قال: يذهب بعضه غذاءً، قلت: فما تنكر إذا كان بعضه يذهب في الدنيا غذاءً أن يكون كلُّه في الجنة يذهب غذاءً؟، قال: فألْوى بيده قائلاً: قاتلك الله من صبي.
لا بد لنا من أن نمنح صغارنا قدراً كبيراً من الثِّقة لتكون لهم وقوداً في بناء شخصياتهم، وأداء ما ننتظره منهم من أعمالِ جادَّةٍ نافعةٍ تنفعهم في الدنيا والآخرة.
إشارة
قد تُخرج الأزمة الكبرى لنا رجلاً
يهزُّ راياتنا في ساحة الظَّفرِ
|
|