Monday 14th july,2003 11246العدد الأثنين 14 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
يا زمان العجائب! (*)
عبدالرحمن بن محمد السدحان

* نحن أهل الخليج، أمة يتقاسمها جيلان.
جيل سبق اندلاع النفط في هذه الجزيرة.
وهو الأقل عددا.. وجيل رضع من «حليب» النفط.. ومازال يفعل وهو الأكثر عدداً!
* الجيل الأول.. كابد جل أفراده ندرة العيش.. بل إن منهم مَنْ.. مات منها فاقة!
والجيل الثاني.. شهد معظم أفراده وفرة العيش.. وربما (قضى) أحدهم أو بعضهم بسببها شبعاً!
والمسافة بين الجيلين في بعض الأحوال طويلة وشاقة ومثيرة.. كالمسافة بين الخبز الجاف.. «والكافيار»!.
**
* شهد الجيلان معاً.. نقلةً حضاريةً جسورةً.. أتت على كثيرٍ من شواهد الماضي.. وغيّرت الكثير من فنون العيش وأنماط الحياة.. كمّاً وكيفاً!
* زحفت السيارة فلم تذر شبراً إلا وطأته.. جبلاً وساحلاً وسهلاً، وتراجع الجمل، وراح «يستدرجُ» السيارات في الطرق العالية بوقفاتٍ «انتحارية»، وكأنه «ينتقم» ممن سحب البساط العتيق من تحته! ثم تبعه الحصان.. ومعهما صاحب «أنكر الأصوات».. الوفيّ.. الغبيّ.. تحوّلت هذه المخلوقات الثلاثة إلى ظواهر «فلكورية» يزدان بها «متحف» الحكايات!
**
* تغيّرت طباع معظم الناس..
تلوّنت مواقفهم.. وتنوّعت أساليب عيشهم.. مأكلاً ومشرباً ومكسى ومركباً!
* تطاولوا في البنيان.. وتحولت خيام الأمس.. إلى قلاعٍ.. من حديد.. وزجاج.. ورخام.. وحريرٍ وريش نعام!
* تأثّرت معظم مفردات العيش بسلوكيّة الجيلين.. فكانت النتيجة تناقضاً عارماً.. تمثّل في شواهد سلوكية عدة..
المحافظون على التراث يصرّون عليه.. وفاءً لهويّة الأجداد.
والمقلّدون للجديد.. يعضّون عليه.. باسم «المعاصرة».. اقتناعاً حيناً.. واقتداءً.. ب «الآخر» معظم الأحيان!
**
* وبين أولئك.. وهؤلاء.. قوم آخرون يتظاهرون بغير ما يملكون.. ويتسابقون إلى ذلك.. وأغلبهم كارهون.. يخشوّن أن يزدريهم الموسرون من معارفهم.. أو يتّهموهم بالفقر.. و«القراوة».. والتخلف!
وقد تُملي لأحدهم عقدة «الرياء الاجتماعي».. أن يرهن «اسمه» أو جزءاً مما يملك من أجل حفنة دراهم.. ينفقها في «ريفيرا» كان.. أو أسواق لندن وباريس وسواهما!
**
* ومع أولئك وهؤلاء.. قوم آخرون.. لهم قلوب تعاف الضيم.. وأفئدة تعفُّ عن المسألة، ولكنهم «مستورو الحال» على «أي حال»، حتى ليحسبهم المرء من فرط عفّتهم مُوسرين!
باختصار..،
* نحن يا سادة.. في زمن رماديِّ الهوية..
* اختلطت فيه أوراق..
* واهتزّت قيم.. وهُزلت ذمم.. وبارت شيم..
* وانتشت أفئدة ب «سكرة النعيم».. حتى فقدتْ.. نعيم التوازن.. ونعمة البصيرة!
* نعم..
نحن يا سادة في زمن رماديِّ الفلسفة.. تسعى في دروبه.. أشباح ملونة.. من القُبح المادي.. والتردّي المعنوي.
* وإلا..،
* فكيف يصير الفقر.. عاراً، والعوز.. عيباً، والحاجة.. إثماً، والعفّة.. فشلاً، والحفاظ على المورث.. تخلّفاً!
* كيف أضحى القفز المزيف فوق حواجز التنافس الشريف ذكاءً؟! وتمرير الوسائل.. تبريرا لغاياتها.. مهارة؟!
* كيف غدا الكذب.. والنفاق.. والتزلّف.. والرياء.. حكمةً وحصافةً.. وحلماً؟!

(*) مع الاعتذار والتقدير لأمير القافية المبدعة خالد الفيصل

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved