على الرغم من الكثير من التخمينات التي دارت في المجالس والمنتديات حول التغييرات الوزارية المرتقبة، والتي شرق بعضها وغرب، بل جاء بعضها يحمل نظرة تشاؤمية قاصرة، إلا أن المراسيم الملكية المباركة والمعلنة يوم الخميس قطعت كل الشكوك وبددت كل المخاوف وأزالت حمى الترقب فتجلت في ثوبها الايجابي المعهود عنها، مراسيم خير وبركة، وفقت قيادتنا الحكيمة فيها أعمق التوفيق، ونجحت في خياراتها أسمى النجاح، وليس أدل على هذا النجاح من توافق هذه القرارات مع كثير من أماني المخلصين وترقبات الطموحين، هذا الانسجام النفسي الرائع بين القيادة والرعية شاهد حي على نجاح الدولة في الاتجاه الجاد نحو التنمية القائمة على التطوير والتحديث لكل مرافقها وخدماتها.
وإذا كان أي مواطن سعيداً بهذه القرارات الحكيمة الموفقة، فإن فرحتنا نحن التربويين مضاعفة، وغبطتنا أشد وأعمق، فتغيير الاسم الى «التربية والتعليم» يعكس تأكيد التوجه نحو التركيز على العملية التربوية الهادفة الى السلوك والاتجاهات القومية البناءة قبل الاهتمام بنقل المعرفة ونشر العلم، وهذه هي الرسالة الأساس لأية مؤسسة تربوية في أي نظام دولي، كما ان نقل عدد من المهام التي أثقلت كاهل الوزارة ردحاً من الزمن (وربما نازعتها مهمتها الأساس) هو عين الصواب الذي لم أعرف أحداً ممن ناقش موضوعات الاصلاح الاداري في هيكل الوزارة قد رأى سواه.
أما التجديد لمعالي الوزير الأستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد فهو القرار الحكيم الذي (حسبما رأى كثير من المحللين) سيحفظ لهذه الوزارة مشروعاتها الطموحة وخططها الاستراتيجية، لا سيما وأن نتاج التطوير في التربية لا يظهر مبكراً بل يحتاج الى أجيال حتى يؤثي ثماره، وتستشف نواتجه، يضاف الى هذا وذاك أن إدارة عملية التغيير المخطط Management of Planned Change تستلزم التأني في التغيير والتطوير، الأمر الذي يحوج الى توفر عاملي الاعتمادية Reliability والاستقرار Stability في النظام واتجاهاته ومدخلاته المادية والتجريدية، وهذه العوامل كلها تتأثر حتما بتغيير الأشخاص، خاصة إذا طال التغيير الرجل الأول في الكيان التربوي.
هذا التصور القائم على أساس عقلاني علمي، تجلى للمراقب حضوره لدى قيادتنا الحكيمة، كما اتضح لنا جميعا الادراك العميق لدى هذه القيادة لما ينسج من خطوات طموحة في وزارات الدولة ومرافقها، إنها المتابعة الواعية والاطلاع الجاد على مصالح الدولة، اللذان يعكسان الرغبة المخلصة في التطوير والتحديث والارتقاء بالمستوى النوعي.
معالي الأستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد شخصية مميزة، فرض محبته على جميع من يعمل معه، ليس فقط المحيطين به بل إن أثر ذلك يظهر جليا حتى على أقصى معلم في أبعد مدرسة، إنها الرسالة التي يبثها صاحب الرؤية الصادقة وحامل الهم الوطني لتخرج من القلب فتلامس شغاف القلوب المستيقظة. الكثير من مفاهيم القائد المتميز خاصة المفاهيم الحديثة القائمة على منهج العلاقات الانسانية متمثلة في أسلوبه وطريقته، وليس ذلك على وجه التكلف بقدر ما هو جبلة يدركها الحس ويعيها الادراك.
لقد قلبت وجوه جملي السابقة قبل أن أجيزها نهائيا، عليّ أكون قد تجاوزت فيها وغالبت، فالرجل يرأسني وله عليّ فضل كما أن لي مبادئ في الجرح والتعديل يعرفها المقربون، فخشيت التعدي على ما ألزمت به نفسي، لكني لم أجد فيما سطرته مغالاة ولا تملقا فالرجل حقيق بأكثر من ذلك وشهادتي المجروحة تعدلها شهادات كثيرة يتداولها الناس قريب منه وبعيد، فرؤيته التربوية ناضجة، وإدارته للتغيير ناجحة، ورعايته للعنصر البشري موفقة، وروح الشفافية الادارية التي يكافح في بثها متميزة، وقدرته على تفعيل العمل وبث الحماس للإنجاز متفردة، وأعتقد فيما أعتقده انه واحد من الشخصيات التاريخية البارزة في المجال التربوي لا على مستوى المملكة العربية السعودية بل على مستوى الوطن العربي أجمع.
فهنيئا لنا بأبي أحمد وهنيئا لأبي أحمد هذه الثققة الملكية السنية التي أكدت علينا واجب مضاعفة الجهد مرتين إذا كنا ضاعفناه سابقا مرة، وأكدت علينا أهمية حث السير قدماً لتحقيق انجازات رائدة سامقة في أقصر مدة ممكنة، إنها السياسة الذكية التي نسأل الله أن نوفق الى ايفائها ماتستحقه منا من جهد هو أقل واجباتنا إزاء بلدنا وقيادتنا، وندعو الله لوزيرنا الجديد مزيداً من التوفيق والسداد وأن تكلل جهوده السابقة وطموحاته اللاحقة بفيض من النجاح وأن يبارك في الجهود لتتحقق الأماني العظام انه ولي ذلك.
ختاماً الشكر العظيم والدعاء المخلص لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني حفظهم الله جميعا سائلا الله أن يحقق آمالهم وآمال الشعب السعودي الطيب إلى ما تصبو إليه النفوس من رقي وتقدم لهذه البلاد حتى تتسنم أعلى المراتب وتكون في مقدمة دول العالم، سائلا الله أن يديم علينا نعمه العظيمة ويهدينا إلى سواء السبيل.
|