لتحمل الألم في الثقافة العربية قدر من الإعجاب ومقادير من التبجيل والتقدير، فالثقافة العربية لا تتوانى عن حث أفرادها إلى تجرع الآلام بصمت وتحمل العذابات بهدوء ومجابهة المصائب بسرية وكتمان، فالركون الى الصمت في خضم الألم يعتبر في هذه الثقافة مقياساً يبين أو يفصح عن «رجولة» الرجل أو نقيض ذلك، ومما يبدو ففي لدن هذه الثقافة مع الألم «تقسيم عمل» محوره الجنس أو النوع.. حيث يبدو الألم ومشتقاته من حزن وبكاء وخلافهما للنساء دون الرجال ومن يفعل ذلك من الرجال فهو يفعل ما تفعله النساء، فهناك تسعيرة لدمع الرجل وأخرى لدمع المرأة حيث إن دمع الرجل «غال».. ولهذا فحينما يبكى الرجل فهو يخفض من أسعار رجولته..، كذلك من دلائل تقسيم العمل «المجنسن» تجاه الألم في الثقافة العربية شيوع العبارات والأقوال والأمثال المحذرة للفرد من ابداء الشكوى وحثه بدلا من ذلك على استحثاث أو بالأحرى استجداء غرائز الصمود الفارغ والمقاومة العبثية لأسباب القلق والضغوط النفسية وما شابه ذلك، وهذا هو سر توصيف الرجل في الثقافة العربية بالجمل.. بالجبل.. بالذئب.. رغم حقيقة اقرار هذه الثقافة بأن «الضغط يولد الانفجار!!».
أما الأسئلة المفترض من البدء طرحها فهي: هل تنشئ الثقافة العربية أطفالها بطريقة تناسب ما تدعوهم إليه بعد أن يصبحوا رجالا.. ومن ذلك تربية هؤلاء الأفراد بطريقة مناسبة ومقننة تضمن للنساء حق عدم الصبر على آلامهن إلى حد البكاء غير أنها تمنح الرجال الشرعية النفسية للصبر مع تحمل الآلام دون بكاء؟!،، وألا يمثل هذا النهج الثقافي السبب الرئيس لشيوع الموقف الاجتماعي المتسم بالدونية تجاه تلقي الفرد للعلاج النفسي؟ كذلك أوليس هذا الموقف الثقافي السلبي هو السبب الرئيس فيما يشهده القطاع النفسي في العالم العربي من تخلف قياسا على ما حققه نظيره- الطب الجسدي- من تقدم وازدهار؟.
ختاما.. لولا الحياء لهاجني استعبار..!».. حسنا ما هي يا ترى أسباب حياء الشاعر جرير الناضح في صدر بيته الشعري رثاءً لزوجته «خالدة»؟!.. طبعا الأسباب ثقافية أولا وأخيرا.
|