نُقيم ونَحْسََبُ أنَّا نقيم
وأيامنا كلُّها في سَفَرْ
|
نعم.. الحياة كلُّها سفر، والمسافرون يومياً يُعَدُّون بالملايين، وعصرنا هذا هو عصر السفر بلا منازع، لأن وسائل السفر فيه تعددت، وتطورت وهوَّنتْ على الإنسان متاعب السفر، وخففت من وعثائه،وقللت من تعرض المسافر لكآبةالمنظر بمعناها الظاهر المتعلق بالغبار، وتغير لون الوجه بسبب التعرض لتقلبات الأجواء، وإن كانت هنالك كآبة من نوع آخر، بسبب اسراف بعض المسافرين في الاستجابة لأهواء النفس الأمارة بالسوء وشهواتها.
عصرنا عصر السفر بكل ما فيه من امتاع وتجديد، وإسراف وتبديد، وإلهاء وانحراف، وتجاوز وانجراف، وبكل ما فيه من مواقف مضحكة ومبكية، مذكرة وملهية، يندى لبعضها جبين الأخلاق الكريمة، وتبكي لبعضها القلوب الواعية، لما فيها من عبر ومواعظ تهز النفوس، سفر، سفر، رحيل صيفي لا ينقطع، رحلات جوية بالآلاف بين أجزاء هذه الكرة الأرضية المليئة بالأعاجيب، ورحلات برية وبحرية يلهث فيها اللاهثون،ويتسابق فيها الرائحون والغادون، وكلُّهم إلى ربهم راجعون.
ماذا يفعل المسلم الواعي في سفره، وماذا تنتظر منه شريعته، وأمته، وأخلاقه، وماذا تعني له المتعة والترويح، وإلى أي حد يصل فيما يحرم عليه شرعه وما يبيح؟
ما نصيب رسالة المسلم في الحياة من أسفاره التي يتنقل فيها بين المشرق والمغرب، وما موقعه الدعوي والارشادي بين مئات الآلاف من المنصرين والمهودين، والمهرجين والمشعوذين والمتصيدات لسذج الناس والمتصيدين؟، يا ترى، هل لهذه الأسئلة وجود في ذهن المسلم المسافر؟ وماذا يصنع في رحلة هدفه منها الترويح عن نفسه، والتخلص من تعبه وعنائه وبؤسه؟!
هل تضيع هذه الأسئلة باجابتها المحتملة وغير المحتملة في خضم انشغال المسافر بحجوزاته، وربط أحزمة أمتعته، واجراءات سفره الطويلة - أحياناً- ؟ ، وإذا ضاعت هذه الأسئلة وغيرها، وضاعت معها اجاباتها، فماذا يصنع المسلم المسافر إذن؟.
ربما يقول قائل: يرحمك الله يا أبا أسامة أنت تطرح كلاماً هو في واد، وذهن المسافر في أودية أخرى، هذه أيها الكاتب العزيز رحلات متعة وراحة، فما علاقتها بأسئلة الأفكار والمبادئ، والدعوة والتوجيه؟ مسافر يريد أن يرى عجائب الدنيا وغرائب البلدان، فهل يليق بنا أن نطرح عليه أسئلة ثقيلة تزعج إحساسه السياحي المنطلق؟
وأنا أقول لهذا القائل: ما الذي يمنع - يرحمك الله- أن يجتمع في سفر المسلم هذا وذاك؟ ألا تتحقق المتعة من السفر إلا باللهو المباح وغير المباح؟ ألا يمكن أن يكون للمسافر المسلم دور صغير أو كبير في خدمة دينه وأمته؟ ألا يحق لنا أن نستثمر هذه الأموال التي تصرف في رحلات السياحة إلى العالم في نشر خير يحتاج إليه الناس؟ألا يمكن أن تضم حقائب سفر المسلم بعض وسائل الدعوة إلى الله التي يمكن أن يرشد بها ضالاً، أو ينقذ بها منحرفاً، أو يزيل بها شبهة من الشبه التي يثيرها أعداء دينه، خاصة في هذه الفترة التي تشتعل فيها عداوة أعداء الإسلام والمسلمين بصورة لم يسبق لها مثيل؟ كل ذلك ممكن يا صاحبي عند المسلم الواعي.
إشارة
لأمتنا على الذلِّ انفتاح
وفيها عن كرامتها انطواءُ
تسيح إلى بلاد الكفر صيفاً
ويتعب من مدافئها الشتاءُ
|
|