هل استسلمت الجماهير العربية بعد أن تعرضت بلدانها لسلسلة من النكبات وأصبحت تتعامل مع أفعال قادتها ووزرائها على أنها نوع من الكوميديا المأسوية.
فالجماهير العربية رغم قناعتها بكذب تصريحات وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف، وبالتالي مشاركته أدبياً في الكارثة التي تعرض لها العراق، إلا أن محمد الصحاف لا يزال يحظى بالمتابعة.. بل حتى الإعجاب، فوزير الإعلام السابق دخل التاريخ بفضل تصريحاته العنترية الواهية أمام كاميرات التلفزيون أثناء الحرب على العراق، وعشية سقوط بغداد في التاسع من نيسان/ ابريل، كان لا يزال يعلن أن الأمريكيين لم يدخلوا بعد العاصمة فيما كانت دباباتهم على بعد مئات الأمتار من المكان الذي كان يتحدث منه.
وكانت مداخلاته المتلفزة أثارت تعاطف الكثيرين وخصوصاً في الدول العربية وتم إنشاء موقع على شبكة إنترنت مخصصاً له كان يتلقى آلاف الزيارات في الثانية حسب القائمين عليه.
وأقرَّ الرئيس الأمريكي جورج بوش أنه كان يقطع اجتماعاته أثناء الحرب لمشاهدة الصحاف في التلفزيون، وأضاف أن هذا الأخير كان يثير ضحكه.
وفي بريطانيا أطلقت الصحافة البريطانية على الصحاف اسم «كوميكال علي» في إشارة إلى «كيميكل علي» «علي الكيمائي» ابن عم صدام حسين المعروف بأنه قتل آلاف الأكراد عام 1988 بالأسلحة الكيمائية والغاز.
وحتى بعد إكمال الأمريكيين والبريطانيين احتلال كامل العراق والسيطرة عليه لا يزال محمد سعيد الصحاف يحظى بالإعجاب، ففي البحرين أطلق صاحب مطعم على «فطيرة» ابتكرها اسم «فطيرة الصحاف» التي يقول إنها تواجه طلبات كثيرة وأن البحرينيين يقبلون عليها وبعضهم يضحك وهو يلتهم محتوياتها.
والإعجاب بالصحاف لا يقتصر على العرب، بل وصل إلى البريطانيين الشريك الآخر للأمريكيين في غزو العراق، حيث استغلت إحدى شركات إنتاج أشرطة الفيديو هذا الإعجاب وأنتجت شريط فيديو يضم «أفضل» تصريحات محمد سعيد الصحاف وأصدرت المجموعة بالإضافة إلى شريط الفيديو اسطوانة رقمية وتعرض الآن في متاجر فيرجن بلندن. وقد نشرت الصحف اللندية إعلانات دفعت تكاليفها الشركة المنتجة «فيرجن» تروِّج للاسطوانة وشريط الفيديو تحت اسم «ساند لايز أند فيديو تيب» وترجمتها «رمل وكذب وشريط فيديو» في إشارة إلى الفيلم المشهور «سيكس لايز اند فيدوتيب» «جنس وكذب وشريط فيديو» الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1989م.
وهكذا البريطانيون يتاجرون بمآسينا ونحن نضحك على هزائمنا.. وأكاذيبنا لتمزج الكوميديا بالتراجيديا.. وكأنها ترجمة متطابقة.. للأقوال العبثية التي يرددها المغنون الشعبيون .. سمك لبن.. تمر هندي..
***
لأن الإنسان يحتاج إلى أوقات يلتقط من خلالها الأنفاس، ويعيد مراجعة مواقفه.. والراحة لفكره وجسده، عسى أن تتجدد الأفكار ويستعيد الجسم عافيته ابتكرت الإجازة.. والبعد قليلاً عن العمل وهموم المهنة.. رغم أن الابتعاد عن الفكر والكتابة والصحافة من المستحيلات.. إلا أنني عزمت على أخذ برهة لا تزيد عن شهر..!!
فأرجو أن يسمح لي الإخوة المتابعون بهذه الإجازة .. وإلى لقاء.
| 
