* القاهرة - مكتب الجزيرة - على البلهاسي:
في 13 يناير 1943 توقف الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في الدار البيضاء وهو في طريقه إلى زاميبا وزار في مناسبة غير رسمية ليبيريا ليكون بذلك أول رئيس أمريكي تطأ قدمه أراضي القارة السمراء «أفريقيا» وفي 13 ابريل 1978 قام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بزيارة نيجيريا قبل ان يقوم الرئيس جورج بوش الأب بتفقد الوحدات الأمريكية الموجودة في الصومال عام 1992 لأهداف وصفت وقتها بأنها إنسانية ثم كانت زيارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون لعدد من الدول الأفريقية في مارس 1998 التي أعلن فيها مبادرة الشراكة من اجل مساعدة وانطلاق التنمية في أفريقيا وبعد حوالى 60 عاما من زيارة روزفلت تأتى زيارة الرئيس الأمريكي بوش الابن إلى القارة السمراء كخامس رئيس يزور أفريقيا ليرفع نفس الشعارات والاهداف لزيارته.. زيارة انسانية من الطراز الاول.. الرئيس الأمريكي قادم إلى أفريقيا بعد حرب العراق بهدف تلطيف صورة الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية وتهدئة المخاوف التي اثارتها الحرب من خلال جولة في خمس دول أفريقية هي السنغال وجنوب أفريقيا وبتسوانا واوغندا ونيجيريا من أجل مساعدة أفريقيا على تجاوز آفات الحرب والايدز والفقر وتقديم المساعدات ودعم التنمية والديمقراطية في القارة السمراء وكعادتها تثير مثل هذه الزيارات الأمريكية اهتمام واستغراب المراقبين والمحللين خاصة زيارة بوش التي وصفت بأنها اهتمام مفاجئ بأفريقيا في وقت يعج فيه جدول أعماله للشؤون الخارجية بالعديد من المسائل المهمة مثل الوضع المتأزم في العراق والسعي إلى تحقيق السلام في الشرق الاوسط والازمة النووية مع كوريا الشمالية والعلاقات المتوترة مع ايران وهو ما دفع المراقبين إلى التساؤل حول الاسباب والاهداف الحقيقية للزيارة.
ومما يزيد التساؤلات والشكوك حول اهداف جولة بوش الأفريقية انها تستمر لمدة خمسة ايام فقط وتشمل خمس دول لكل منها أهمية ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي ومشكلات تحتاج لأيام للنظر فيها بينما تحتاج مشكلات القارة السمراء نفسها التي يجول فيها بوش إلى عدة سنوات لحلها فالحروب الاهلية تدور في خمس دول فيها كما يسود الفقر والمجاعة معظم انحاء القارة ويهدد فيروس الايدز مجتمعات بأكملها بفقد اهليها بعد تسببه في القضاء على سته آلاف شخص يوميا في مختلف دول القارة التي يعاني 30 مليون شخص فيها من الاصابة بمرض الايدز حتى ان وزير الخارجية الامريكى باول قال عنه انه اكثر دمارا من أي جيش وأي نزاع وأي سلاح دمار شامل كذلك فإن زيارة بوش تقتصر على خمس دول هي السنغال المستقرة ذات النظام الديمقراطي وجنوب أفريقيا التي تصدر للولايات المتحدة منتجات تقدر بأربعة مليارات دولار سنويا ثم بتسوانا التي حققت ازدهاراً اقتصادياً واوغندا التي سجلت أعلى معدل في مكافحة الايدز ونيجيريا التي تحتل المركز السابع في الدول المصدرة للنفط في العالم في حين يتجاهل بوش في زيارته دولاً مثل ليبيريا والكونغو وكينيا واثيوبيا وزيمبابوي وهي من أكثر الدول الأفريقية احتياجا للمساعدة والى التدخل الأمريكي للقضاء على الصراعات والمشكلات المصيرية فيها واذا كانت جولة بوش الانسانية تتخطى مثل هذه الدول إلى دول اخرى تتمتع بنوع من الاستقرار والازدهار الاقتصادي فهناك شكوك حول جدية هذه الاهداف الانسانية وهل هي الاهداف الحقيقية للزيارة أم ان هناك أهدافاً أخرى؟
اتهامات لبوش
قبل بداية زيارته إلى أفريقيا واجه الرئيس الأمريكي بوش العديد من الاتهامات والانتقادات التي وجهت إليه بأنه اهتم بأفريقيا فجأة وان زيارته لا تعدو كونها تندرج ضمن حملة بوش لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة وحملة أخرى واسعة لكسب مصادر جديدة للنفط وانشاء مواقع للقوات الأمريكية في أفريقيا، بوش دافع عن نفسه بضراوة امام هذه الاتهامات واصفا اياها بأنها تضليل اعلامى ومؤكدا ان الهدف من جولته هو مساعدة أفريقيا على تجاوز آفات الحرب والايدز والفقر وانه يتوجه إلى أفريقيا وهو يحمل خطة لمكافحة الايدز بقيمة مليار دولار ومساعدات بملايين الدولارات للاسهام في مكافحة الارهاب وكان بوش قد وقع الشهر الماضى على خطة تبلغ تكلفتها 15 مليار دولار كي تتحول إلى قانون للمساعدة في مكافحة الايدز في أفريقيا والكاريبي ومنذ بضعة اشهر تركز الإدارة الأمريكية على أفريقيا خصوصا من زاوية سياسات المساعدة على التنمية ومكافحة الايدز ويرى بوش ان امكانية مكافحة الايدز تبدو ممكنة الان اكثر من أي وقت مضى ويروج بوش لمبادرة الخمس سنوات التي تقرر تخصيص 3 بلايين دولار أمريكي سنويا لبرامج مكافحة الايدز في 14 دولة منها 12 دولة من أفريقيا تتضمن علاجاً منقذاً لحياة مليوني مريض من أصل 30 مليون شخص مصاب بالفيروس في القارة السمراء.
المحللون يقولون ان اهتمام الولايات المتحدة بأفريقا في هذا الوقت بالذات يعود إلى مجموعة من الاسباب الداخلية التي تهم إدراة بوش ودوافع أخرى ذات صلة بمصالحهم الدولية فعلى الصعيد الداخلي تأتي الزيارة في إطار حملة بوش الانتخابية لفترة رئاسة مقبلة فالناخب الأمريكي من اصل أفريقي يولي عناية خاصة بموضوع التنمية في البلدان التي ينحدر منها، كذلك تهتم الشركات الأمريكية في الداخل بما تمثله أفريقيا من سوق مستقبلية بالنسبة لها فأفريقيا تضم الآن أكثر من 10% من سكان العام وهي مرشحة للانفتاح على الاستثمارات الدولية وقد حققت الاستثمارات الأمريكية العاملة في أفريقيا نسبة نجاح تزيد ثلاث مرات على ما حققته مثيلاتها في مناطق أخرى من العالم ولا شك ان بوش يحتاج بقوة لأصوات الناخبين السود المنحدرين من اصول أفريقية ودعم الشركات الأمريكية التي تعتبر قوى فاعلة في الانتخابات الرئاسية حتى يضمن حصوله على فترة رئاسة جديدة.ويرى المراقبون ان زيارة بوش تبدو إلى حد ما غير منسجمة مع رئيس جمهوري ندد بانتخابه كثير من الأمريكيين الافارقة الذين شعروا بأنهم حرموا من حقوقهم في انتخابات عام 2000 التي اتسمت بالفوضى وانتقد البعض الجولة باعتبارها تحركاً رمزياً اجوف غير مجدٍ بينما يرى البعض الآخر انها مهمة وتوسع من قاعدة مؤيدي بوش الذي منح الأمريكيين السود أدواراً رئيسية في ادراته حيث يمثل كل من كونداليزا رايس وكولن باول واجهتين رئيسيتين لسياسته الخارجية كما يهدف بوش من زيارته إلى كسر اعتماد الديمقراطيين التقليدي على تأييد الأمريكيين السود.
الوجود العسكري والبترول
السبب الثاني للاهتمام الأمريكي بأفريقيا الذي ربما كان على رأس أهداف بوش في زيارته هو تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا التي يرى البنتاجون انها تشكل ملاجئ محتملة لمجموعات ارهابية، وتبدو الحرب الأمريكية على الارهاب حاضرة بقوة في زيارة بوش لأفريقيا وذكرت مصادر أمريكية ان البنتاجون يأمل في اقناع الحلفاء الافارقة بالسماح بوجود أكبر للقوات الأمريكية بهدف مكافحة الارهاب وذلك في الوقت الذي يخشى فيه المخططون العسكريون الأمريكيون من ان تجد الجماعات التي تصفها أمريكا بالارهاب التي اخرجت من آسيا والشرق الاوسط في دول أفريقيا التي تعمها الفوضى قاعدة مثالية لتجنيد عناصر جديدة وكان الجنرال جيمس جونز رئيس القيادة الأوروبية في هيئة الاركان الأمريكية المكلف قسماً كبيراً من القارة الأفريقية قد أكد في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز ان أفريقيا أصبحت كما اثبتت الاحداث الأخيرة مشكلة ملحة وقال انه لخوض الحرب على الارهاب يجب ان نتوجه إلى حيث يوجد الارهابيون ولدينا أدلة تمهيدية تقول بأن مناطق خارجة عن أي مراقبة وسيطرة حكومية في أفريقيا قد تتحول إلى ملاجئ محتملة للارهابيين.ولعل هذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل ستنتقل الحرب الأمريكية على الارهاب إلى القارة الأفريقية بعد ان بدأت واشنطن تسعى إلى تعزيز وجودها العسكري هناك؟.. سواء كان هذا او لم يكن فإن المؤكد ان ما تحاول أمريكا عمله في أفريقيا هو جزء من جهود عالمية تبذلها وزارة الدفاع الأمريكية لتحديد كيفية توزيع القوات الأمريكية في العالم في اطار الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة وبالنسبة لأفريقيا فالولايات المتحدة تسعى إلى توسيع نفوذها ووجودها في الدول العربية شمال أفريقيا وفي صحراء أفريقيا عن طريق مجموعة من القواعد العسكرية واتفاقيات امنية وتدريبات لمكافحة الارهاب، كما تهدف وزراة الدفاع الأمريكية إلى التوصل إلى اتفاقيات تسمح ببناء مطارات لتزويد الطائرات الحربية الأمريكية بالوقود في دول مثل السنغال واوغندا وهما الدولتان اللتان حرص بوش على ان تكونا ضمن جولته السريعة في أفريقيا.يبقى من الاهداف الأمريكية من الزيارة الاطماع الأمريكية في بترول القارة الأفريقية الذي تتربع على عرشه نيجيريا الموضوعة على جدول زيارة بوش لأفريقيا التي تضعها ثروتها النفطية في صدارة الدول الأفريقية التي تهتم بها أمريكا والى جانب نيجيريا هناك ليبيا والجزائر وهذه الدول مجتمعة تملك مخزوناً هائلاً من البترول والغاز وترى أمريكا في هذا المخزون بديلا لها عن نفط أوبك وهو يهم أمريكا بعد تأمين نفط الخليج بغزو العراق ولذلك يرى المراقبون ان البحث عن مصادر جديدة للنفط كان على رأس أهداف بوش من زيارته لأفريقيا خاصة نفط نيجيريا الذي يتوقع ان يروي في المستقبل عطش الولايات المتحدة إلى مزيد من النفط.
|