* واشنطن - بيتر جريار و فاي باورز (*)
ربما يصعب تصديق ذلك. ولكن عثور القوات الأمريكية على صدام حسين أو أدلة دامغة على مصرعه أصبح أكثر أهمية عن ذي قبل بالنسبة للولايات المتحدة، فمع تصاعد الهجمات ضد القوات الأمريكية في بغداد تزايد الشعور بالقلق لدى المسئولين في واشنطن من استخدام فلول النظام السابق لصدام حسين كرمز من أجل حشد وجمع مؤيديهم.
فالخوف من عودة صدام حسين أدى إلى رعب العراقيين بدلا من التعاطف مع أهداف الولايات المتحدة، وقد قامت عناصر حزب البعث بتوسيع نطاق أهدافهم لتشمل أيضا العراقيين المنضمين حديثا إلى قوات الشرطة العراقية ومسئولي المرافق العامة أو أي شخص آخر يعتقد أنه قد أصبح قريبا من الإدارة المدنية الأمريكية في العراق.
والآن أصبح المسئولون الأمريكيون يذهبون إلى المدى الذي يعلنون فيه صراحة من أنه إذا كان صدام حسين لا يزال حيا فيجب العثور عليه وتقديمه إلى العدالة، مما يمثل زيادة درجة الحدة في الخطاب الرسمي، ففي السابق كانت الإدارة الأمريكية تصرح بأن هدفهم الأساسي هو النظام وليس فردا بعينه.ويقول الجنرال المتقاعد جون روبرت الخبير في الاستراتيجية العسكرية بمعهد جون كينيدي بجامعة هارفارد: «لا يزال من أهم أهداف مرحلة ما بعد الحرب في العراق هو العثور على عناصر القيادة السابقة. والتي كانت كل تلك الحرب من أجلها».
ولا يزال مسئولو الإدارة الأمريكية يؤكدون على أن المقاومة التي تواجهه االقوات الأمريكية في العراق ليست من فعل قوة وطنية منظمة، ويقولون إن مصدرذلك العنف على الأرجح هو مجموعات متفرقة، من بينها الموالون سياسيا لحزب البعث أو فئات من فدائيي صدام أو جماعات من الإرهابيين الدوليين.بعض هؤلاء الإرهابيين لهم «صلات بتنظيم القاعدة» كما صرح بذلك بول بريمر كبير مسئولي الإدارة الأمريكية في العراق في تصريح صحفي مقتضب من بغداد، وبغض النظر عن مصدر تلك المقاومة، فقد بدأت الهجمات على القوات الأمريكية في اتخاذ مسار ثابت وعدد ثابت من الضحايا كل يوم، وفي أثناء كتابة هذه السطور قُتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأربع وعشرين ساعة الماضية.فقد قُتل أحد المجندين الأمريكيين بعدما أطلق عليه النار من مدى قريب عندما كان يسير في جامعة بغداد، في حين كانت تعتبر منطقة الحي الجامعي في جنوب بغداد من المناطق الآمنة نسبيا.وفي اليوم التالي تربص مسلح بكتيبة أمريكية في شمال بغداد في منطقة الأعظمية وقتل أحد الجنود الأمريكيين، وبعد ذلك ألقيت قنبلة منزلية الصنع على قافلة سيارات أمريكية في نفس المنطقة أسفرت عن مصرع جندي أمريكي آخر، وفي اليوم ذاته في مدينة الرمادي على بعد 60 ميلا من العاصمة العراقية أطلق مجهول قذيفة آر بي جي على قافلة أمريكية أخرى مما أسفر عن جرح أربعة جنود أمريكيين، وسواء كانت تلك الهجمات توجهها سلطة مركزية ما أم لا، فإن لها من الأثر في تقويض السلطة الأمريكية كما يقول الخبير العسكري واللواء طيار سابق سام جاردنر، ويضيف أن الغزو السريع الأمريكي للعراق والصعود السريع للقوة الأمريكية في بغداد قد خلق جوا أوحى بالقوة الطاغية للولايات المتحدة، ولكن ما لبث أن تلاشى ذلك الشعور، «فبعدد قليل من الهجمات ظهرت القوات الأمريكية على أنها يسهل اختراقها».
وقد أدى ذلك العدد الكبير من الهجمات إضافة إلى اتساع رقعتها إلى تصاعد المخاوف بين العراقيين من أن صدام حسين لم يذهب إلى الأبد بعد، وربما فقط ربما تكون قدرته على التحمل أكثر من قدرة القوات الأمريكية، ومن ثم يستعيد زمام السلطة.وما زاد هذا الشعور بالخوف هو الهجمات المروعة التي شنت على جنود الشرطة العراقيين المتطوعين حديثا. وعلى العراقيين الذين يعملون في أعمال تتطلب منهم أن يكونوا قريبين من المسئولين الأمريكيين.وتقول جوديث يافي الخبيرة بشئون العراق في جامعة الدفاع القومي: «أظن أن الشعب العراقي مرعوب حتى الموت. وعدم ظهور صدام حسين كل يوم أمام شعبه لايعني الكثير» فالحاكم الذي يجعل من سلطته غامضة بظهوره على فترات متفاوتة بينما لا يزال في السلطة يمكن أن يظل في عقول مواطنيه حتى بعد اختفائه.
وتضيف أن طبيعة بعض تلك الهجمات التي شنت على القوات الأمريكية تشير إلى أن بعض العناصر المنظمة للنظام السابق استطاعت النجاة من الضربات الأمريكية، فبالرغم من أن بعض تلك الهجمات لها طبيعة إجرامية تتعلق بالاغتيال فقط، فالبعض الآخر يتطلب تخفياً وقدرة على استخدام قاذفات من طراز آر بي جي وأسلحة أخرى أكثر ثقلا، مما يعكس مستوى التدريب المطلوب لذلك. والذي لا يتوافر إلا لفدائيي صدام أو لبقايا النظام السابق.
وإذا ما كان صدام لا يزال على قيد الحياة وفي وضع يسمح له بتوجيه الأوامر، فيمكنه توجيه تلك الجماعات إلى إحداث فوضى من أجل تدمير البلاد التي أصبح لا يستطيع الحصول عليها مثلما فعل في الكويت؛ فبعدما تيقن أن حرب الخليج سوف تطرده من البلاد قامت القوات العراقية بحرق ونهب ما استطاعت في أثناء انسحابها إلى الشمال.
وربما يفكر من ناحية أخرى أنه ربما يستطيع استعادة زمام الحكم، فربما يفكر في أن عددا ثابتا من الضحايا الأمريكيين كل يوم يمكن أن يؤدي سريعا إلى تحول الرأي العام الأمريكي ويرفض التدخل الأمريكي في العراق، وتقول يافي:«إن صدام يحاول أن يحاكي ما حدث في فيتنام، فطالما كان مبهورا بذلك المثال، فقد كان يرى أن الحرب في فيتنام قد انتهت مع تزايد عدد النعوش الأمريكية العائدة إلى الوطن».
وقد أصبح صدام الآن هدفا للولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، ربما أكثرمن الوقت الذي بدأت فيه الحرب على العراق. فقيمة المكافأة التي رصدتها الولايات المتحدة للقبض عليه أو الإدلاء بمعلومات تفيد موته، والتي بلغت 25 مليون دولار، تشير إلى مدى تصميم المسئولين الأمريكيين على إزالة صدام كرمز وقوة دافعة للمقاومة العراقية.وقد تصاعدت حدة الخطب الرسمية الأمريكية عن صدام إلى الحد الذي ربما يؤدي إلى نتائج عكسية؛ فقد أعلن بول بريمر الأسبوع الماضي قائلا: «سنقبض عليك (يا صدام) سواء عاجلا أم آجلا»؛ محاكيا أسلوب الفتى القوي الذي يمارسه الرئيس بوش.
ولا يزال من المحتمل أن يكون صدام قد قُتل في الضربات الجوية أثناء العمليات العسكرية في بداية الحرب. ولكن السيناتور بات روبرتس عن كانساس، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ صرح لشبكة سي إن إن أن هناك احتمال أن صدام حي بنسبة 70%، وأضاف: «إنها سلعة غالية الثمن أن ننجح ونقضي على الخوف من صدام... يجب علينا أن نقتل أو نقبض على صدام حسين وابنيه».
(*) خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص ب«الجزيرة»
|