روسيا تكشف وثائق مهمة تتعلَّق بسياستها في الشرق الأوسط

* موسكو - سعيد طانيوس:
كشفت روسيا النقاب عن وثائق مهمة تتعلق بسياستها في الشرق الاوسط كانت حتى الآونة الأخيرة سرية، وأماطت اللثام عن توجهات السياسة السوفيتية في هذه المنطقة ما بين عامي 1947 و1967م، اي منذ النكبة التي حلَّت في فلسطين وأدت لقيام الدولة العبرية وصولا إلى حرب الايام الستة او ما يسمى بالنكسة التي تمكنت خلالها اسرائيل من احتلال هضبة الجولان وصحراء سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة بالاضافة الى شرق القدس الشريف.
وقال رئيس هيئة تحرير المجلدين الصادرين مؤخرا تحت عنوان «نزاع الشرق الأوسط بحسب وثائق أرشيف السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية» اللذين يضمان وثائق ارشيفية وتقارير دبلوماسية حول السياسة السوفيتية في منطقتنا، البروفيسورفيتالي ناومكين، في مؤتمر صحفي حضره مراسلو وسائل الإعلام العربية المعتمدون في موسكو وممثلو البعثات الدبلوماسية للأقطار العربية في العاصمة الروسية ان أغلبية الوثائق المنشورة والتي يزيد عددها على السبعمائة تحمل ختم «سري وسري للغاية». وان أهمية هذا المؤلف تكمن في أن عددا كبيرا من الوثائق الدبلوماسية الفريدة التي تلقي الضوء على مصادر سياسة موسكو في الشرق الأوسط وجوانبها الأساسية وتطورها عبر العلاقات سواء مع بلدان الشرق الأوسط أو مع بلدان الغرب الرئيسية قد كشفت عنها السرية لأول مرة وأصبحت في متناول الراغبين في الاطلاع عليها.
فقد نزع حجاب السرية مثلا في هذين المجلدين عن أكثر من مئة برقية مشفرة للبعثات الدبلوماسية السوفياتية في الشرق الأوسط، ونشرت تقارير سرية ومذكرات ومواد تحليلية تتعلق بالسياسة الخارجية السوفياتية ولا سيما بالنسبة للنزاع العربي الاسرائيلي، من بين مؤلفيها ومتلقيها قادة الاتحاد السوفياتي، وعلى رأسهم يوسف ستالين ووزير خارجيته فياتشسلاف مولوتوف وخليفته نيكيتا خروشوف ووزير الخارحية السوفياتي الشهير أندريه غروميكو وغيرهم من الشخصيات العسكرية والمدنية في الدولة السوفياتية وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية.
كما كشف النقاب في هذين المجلدين عن مضمون المحادثات والمراسلات بين المبعوثين السوفيات وزعماء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية مصر وسورية ولبنان والأردن واسرائيل سابقا، من بينهم الزعيم المصري جمال عبد الناصر وعلي صبري والرئيس أنور السادات وسعيد غزي والرئيس اللبناني كميل شمعون ورئيس الوزراء رشيد كرامي والعاهل الاردني الملك حسين وغيرهم من الساسة العرب الذين تركوا أثرا ملحوظا في التاريخ المعاصر.
هذا فضلا عن تقارير من محادثات اجراها سفراء هذه البلدان وغيرهم من الشخصيات السياسية والاجتماعية العربية البارزة مع القيادة السوفياتية في موسكو، وعلى الرغم من مضى ما بين ثلاثين وخمسين سنة على الأحداث التي تميط هذه الوثائق اللثام عن مجرياتها وحيثياتها، فإن مما لا شك أن المعلومات التي كشفتها هذه الوثائق ما زالت ملحة حتى الآن، حسبما أكد البروفسور ناومكين، فقد شهدت تلك الفترة عمليات تكون منظومة العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والبلدان العربية.
وقال هذا البروفيسور، تسمع الآن في أوساط الخبراء والباحثين في روسيا آراء تنتقد السياسة السوفياتية الخارجية في منطقة الشرق الاوسط وتسود صفحتها في بعض الأحيان، إننا لا نشاطرهم هذه المواقف ابدا ، لأن السياسة الخارجية لروسيا الجديدة لم تبدأ من الصفر في العام 1991 ، بل هي جاءت استمراراً للعقود السالفة وهي تحمل سمات التعاقب والاستمرارية، إلا انه أضاف قائلا: إن السياسة السوفيتية في تلك الحقبة كانت تحمل بالطبع شحنة عقائدية كبيرة في ظل الحرب الباردة والمجابهة بين الكتلتين. ولكن لا يجوز تصوير هذه السياسة باللونين الأبيض والأسود وحدهما فقد كانت متعددة الألوان في ظل هيمنة النزعة العقائدية. وأجمع العلماء الروس والخبراء الذين جاؤوا من الشرق الأوسط في كلماتهم في هذا المؤتمر الصحافي، على أنه من الضروري في ضوء الوقائع المعاصرة إعادة النظر في الكثير من تراث موسكو السياسي في المنطقة، وعبّروا عن تمنياتهم بإقامة اتصالات مع المراكز العلمية التابعة لوزارات الخارجية في الأقطار العربية، وأعربوا عن اعتقادهم بأن هذه الاتصالات من شأنها أن تصبح مقدمة للمشاريع الروسية العربية المحتملة والتعاون في نشر المصادر الأولية التي تسلط الضوء على تاريخ النزاع في الشرق الأوسط والعلاقات الروسية العربية.