ان المثقف هو الذي يقرأ ويعرف ماذا يقرأ ولماذا يقرأ؟!
ان المثقف ملتزم بأعباء كثيرة يتحتم عليه القيام بها ولعل اهمها: تنمية الوعي الاجتماعي وحث المجتمع على الاستطلاع والتساؤل والمناقشة بكل وعي لما يدور حوله.
ان على المثقف ان يكون مناضلا يواجه الطغيان ومن يريدون طمس الحق المبين واذا لم يكن كذلك فهو ليس مثقفا بقدر ماهو مغفلا.. وحين اقول مناضلا فأنا أعني كل أبعاد هذه الكلمة.. ان يكون الانسان مناضلا يعني: ان يكون سيفا في وجه الجهل بكل مفاهيمه، والليل بكل عراقيله، وسلاحه الاول «الكلمة».
ان الكلمة المناضلة هي السيف الباتر والقنبلة الموقوتة، ان الكلمة المناضلة هي الصخرة الصلدة التي ترتطم بها كل الاغراض الذاتية وغير الذاتية والتي يراد من ورائها اهداف تعاكس مجرى التيار الحضاري ان الكلمة هي الشمعة المتقدة وسط الزوابع لا تنطفىء مهما عصفت بها.. ان الكلمة هي منطلق نظري يستشف بها الواقع فهي مجهر يرى البصمات السوداء على الصفحات السوداء وهي - في نفس الوقت - بوق «منبه» يعلن للملأ دورة الزمن ومسيرة الشمس. ان الكلمة هي البوتقة التي تقبع فيها آمال المجتمع وآلامه.
ان الكلمة هي الرصاصة الاولى في وجه التزييف والخداع وطمس الحق المنير.
ان الكلمة سلاح المثقف الذي يفهم دوره التثقيفي..
لقد مضى زمان الاعتقاد بأن المثقف هو الذي في حوزته اشعار لامرىء القيس وعنترة والمتنبي والبحتري وابن زيدون وفي مكتبته كتب الجاحظ وابن العميد وابن المقفع وغيرهم من الكتاب والشعراء.. لقد تغير المفهوم مذ انطلقت اول رصاصة في وجه الاستعمار، لقد تغير وجه التاريخ فتغيرت المفاهيم.
فيا من تقتعدون الكراسي الوثيرة وتقبعون خلف ستائر صفراء وتثرثرون بكلمات كثيرة وتفلسفون المجتمع من خلال نظرات شاطحة تتعقب سير دخان سجائركم، وتبحثون عن الثقافة وتدعونها، انتم يا سادتي - عالة على الثقافة انتم ابعد من يكون عن الثقافة بل وهي تتبرأ منكم.
ان الثقافة - يا سادتي - بحث وتنقيب وتسليط اضواء، ان الثقافة الحقة هي التي تستمد مادتها من تربتها وتنتصب عارية تحت اشعة الشمس.
ليست الثقافة هي الغوص والايغال في سراديب التاريخ والرجوع الى الوراء دون ادنى التفات الى الامام.. كلا وليست المجادلة في سيبويه والفراء والخليل بن احمد والكسائي وترديد عبارة «أموت وفي نفسي شيء من حتى»..
بل وليست الكلمات الموسيقية الضخمة المستمدة من قواميس اللغة بقصد الغموض والايحاء للناس البسطاء بأن من يكتب بهذا الاسلوب ان ما هم ادباء كبار لا يشق لهم غبار.. ان الغموض عجز والعجز عالة، لقد كان الفرنسيون يقولون ما لم يكن واضحا فليس فرنسيا» فلنقل نحن «ما لم يكن واضحا فليس عربيا».
يا سادتي المثقفين: لعل بعضكم يتمتم بسخرية: من هذا الذي يتكلم بهذه اللهجة؟! هل نسي شيئاً يسمى : الادب الرمزي؟
عفوا سادتي : لم انس ومعاذ الله ان انسى، انما الحقيقة هي انني تناسيت الادب الرمزي.. لانه من العار ان نتكلم عنه ونحن بعد لم نعرف الادب الواقعي!!
يا سادتي المثقفين ليس الادب الرمزي هو الكلام الغامض والكلمات الجاهلة.. ان الرمزية في الادب تعني الاحتمال.. ان تفسر حسب رؤيتك فأين انتم من هذا؟!
يا سادتي: ان الادب للشعب وليس للاشخاص.. والادب الحق هو وليد المعاناة.. فلا تحاولوا اغتصاب اقلامكم لمجرد ثقتكم بأنكم تتقنون الاعراب والتعبير.. دعوا الكتابة جانبا اذا لم تعانوا.. فليس صحيحا ان الكاتب القدير هو الذي يتقن اصول الصرف والنحو.. صحيح انها ذات قيمة ولكن الاهم - يا سادتي - الفكرة .. ماذا تريدون ان تكتبوا؟ هذا هو الاهم، هل له مساس بالمجتمع؟ وهل للمجتمع فائدة منه؟ اذا كان كذلك فأكثروا والا فنكسوا المحابر..
اننا ياسادتي بحاجة الى من يكتب لنا ما نقرؤه. ان الكثير مما يكتب في الكتب والصحف ليس الا اسطوانة معادة.. فحطموا هذه الاسطوانة يا سادتي المثقفين ودعونا نخط طريقا جديدا لنكتب عن اشياء تلوب في وجداننا وتداعب افكار الكثير منا .. لنكتب عن السلبية والايجابية، عن الليل والنهار، عن البلبل والافعى.. عن الفقر والغنى، عن الموت والحياة، لنكتب عن هذه، ولنبحث عن الحلول لها ونتخطاها الى غيرها.
يا سادتي: ان الترف الثقافي مرض فلنلجئه الى الخشونة قليلا ليكتسب مناعة ضد الجراثيم.. ان الثقافة رسالة انسانية ذات ابعاد عميقة تبحث الجذور لتجلوها وتنزع القشور لتذروها للرياح لتحملها على جناح العدم.
ان الثقافة نار ونور.. نار تشتعل في الكهوف لتطرد الوحوش ونور يضيء الزوايا المظلمة في النفس البشرية، فأين نحن - يا سادتي - المثقفين من هذا؟؟!
|