تعليقاً على الهجمة الشرسة على الاسلام هذه الايام اضرب لكم مثلاً بما يقوله الدكتور دوغلاس ارشر، وهو شاب من جامايكا في منطقة الكاريبي في منتصف العقد الخامس من العمر كان بروتستانتياً فأسلم «ان بحثي لنيل اجازة الدكتوراة كان عن التربية وبناء الامة. ومن هنا عرفت ما تحتاج اليه الامم لبنائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وكذلك البناء الروحي واكتشفت أن اركان الاسلام الاساسية تقدم اساساً عظيماً وقاعدة قيمة لإعادة بناء الامة اجتماعياً واقتصادياً وروحياً. ولذلك فاذا سألتني لماذا اعتنقت الاسلام؟ سأقول لك لان الاسلام هو دين فريد من نوعه تشكل فيه اركانه الاساسية قاعدة للحكم تهدي كلاً من الضمير وكذلك حياة المؤمنين به على حد سواء.
هذا ما قاله عبدالله ارشر بعد إسلامية وبعد أن رأى نور الحقيقة وقد كان تائهاً في مغارات الضلال قبل ان يبصر نور الاسلام ويهرول اليه بكل ما أوتي من قوة يستحثه في ذلك العزم الاكيد في راحة النفس بعد شقائها ويحدوا به الاصرار الجازم لفرج قريب يستقر اليه قلبه، وانه كمن احس بقرب الري وهو يسمع صوت المطر وكمن ايقن بزوغ الشمس بعد ان ابصر شعاعها يبين له ما اظلم عليه الليل البهيم. فجاءته الهداية لهذا الدين فأعاد بناء نفسه من جديد بعد ان رأى فيه عناصر البناء فقطف منها ثمار الاستقرار بعد ان غرس فيها حدائق الايمان، وهذا طبع من جرب التيه والضياع لسنوات ثم لاحت له الحقيقة بأبها صورها واجلها، وهذا كله يدعونا ان نتفكر في نعم انعمها ربنا علينا ومنها نعمة الاهتداء لهذا الدين ونعمة الثبات عليه ومن شكر هذه النعم ان نسخر انفسنا لخدمة هذا الدين وخدمة هذه الامة والارتقاء بها الى المستوى الافضل ونشر تعاليم ديننا بين الناس وان نجعل من اخلاقنا درساً يفقهه الجميع على اختلاف فئاتهم بل باختصار أن نكون دعاة إلى الجنة ومرضاة الله.
ان من الحكمة وهي «ضالة المؤمن»، ان يجد ويجيد العامل في حقل الدعوة مقومات ضبط النفس في ذاته وسوقها مع الانفس المدعوة الى سواحل النجاة والعمل جميعاً لنصرة هذا الدين بأخصر السبل المشروعة بعيداً عن طريق السباع والهوام المعوجة، وان من الحكمة ايضاً ان يقدم قليلاً يبقى له بعد موته خير له من كثير يفنى قبل فنائه ويتصدع عند سماعه خبر الزلزال قبل وقوعه، ان بامكانه ان ينفع الآخرين دون ان يكون له حضور بارز ودون ان يلفت الانظار لاسباب بروز المنفعة فان اشاعتها على الساحة قد تكون من اسباب سقوطها او طمسها بل وتشويهها من قبل مستغلي الزلات.
ان الذين يتشبثون بالعجلة واستعجال النتائج دون ان يفقهوا فقه الدعوة لا يمكن لاعمالهم ان ترى النور وان رأته اول مرة فقد تصاب بالعمى بعده فتتهاوى بين نقد القاعدين وحسد المستغلين المغرضين.
ان الالم كل الالم من اولئك الذين يعيشون في النور ويحاولون بكل ما اوتوا من قوة ان يضعفوه او يخمدوه ومن اولئك الذين يستظلون بالشجرة الوارفة الظلال فلا يهنأ لهم عيش الا بازالة تلك الشجرة والجلوس بالعراء.
ان الحذر كل الحذر ان يؤتى الاسلام من قبل اهله وان تكون طائفة من هذه الامة ترى التنوير في جعل الامة مادة الاشعال داخل التنور وسوقها الى الانسلاخ من دينها باسم الحرية والتسامح، ان ميليشيا الفكر المنحرف يقودون الامة الى اخلاقيات «اللاعقل» او الجنون المرتب وهذا من شأنه ان يحول الامة الى رعاع ومتبعين لسنن الجاهلية بعد ان نجانا الله منها، ان الحرية أن يقول الانسان مايشاء لاتعني حرية ان يعتقد مايريد ولذلك فإن فتح المجال للعقل أن يبتكر ما يشاء ومن ثم الايمان به والانتصار له والمقاتلة من اجله ونشره بين الناس ولو خالف الوحيين هو في الحقيقة مخالف لقواعد الفهم الصحيح والنور المبين.
ان مشكلات الانحراف الفكري تنشأ غالباً بين احضان حبين حب الاستقلال وحب الظهور وهاتان المعضلتان تقودان النفس البشرية الى الانتكاس وهدم لبنات الثبات لبنة لبنة.
ان عناصر تنسب نفسها لامتنا وتحمل النقص في ذاتها وترى النقص في ديننا كان الاجدر بها لو عقلت ان تقوي جانب العقل فيها لتصل الى قوة الكمال في ديننا، وهذا يقودنا الى القول بأنه ليس بالضرورة ان كل عاقل يجيد فن الاستمتاع بقيادة عقله اذ ان هناك عقولاً كثيرة حرمت نعمة قيادة العقل الى الاستمتاع بخير الدنيا وخير الآخرة، بل قاده عقله المتهور الى هدم مقومات السعادة لديه فحرم لذة الطاعة والمناجاة فكان نصيبه السعادة المستعارة واللذة العابرة فذاق بسببهما مرارة الحرمان.
ويهمنا اخيراً ان نؤكد ان الخير كل الخير في التمسك بما انزله الروح الامين على قلب خير المرسلين وبما جاء به سيد البشر عليه الصلاة والسلام وحدث به امته والمسارعة الى العمل بهما ففيهما النجاة بإذن الله.
عبدالله بن محمد السحيم/بريدة
|