لا ندري أي كارثة حلَّتْ بالشعب العراقي، ولا ندري أي مصيبة وابتلاء نزلت بهذا الشعب.. وأي قدر ولا راد لقدره وقضائه ينتظر هذا الشعب المنكوب العظيم، إن شعب هذا البلد كالنمر الجريح.. فهو ليس على هامش التاريخ وليس شعباً هيناً أو ذليلاً ولم يتعود على الذل في يوم من الأيام قط.. إلا عندما إبتُلي بذلك الطاغية الذي دمر كل شيء في ذلك البلد وذلك الشعب وتراثه وحضارته ومقدَّراته وطاقاته ومقوماته وكل شيء فيه، وداس بأقدامه القذرة وجبروته كرامة هذا الشعب وأذله وأهانه، إن بلاد الرافدين وشعبها الأبيّ هما أصحاب حضارة عريقة وتراث تاريخي عريق وقديم.. وأمجاد سجلها التاريخ بأحرف من نور وعمق ثقافي وتاريخي وحضاري.. هي في غنى عن التعريف فقد عرفها التاريخ على مر العصور والأجيال ومنذ آلاف السنين منذ أن بزغت حضارة بابل وآشور في بلاد ما بين النهرين ومروراً بالخلافات المتتالية منذ الخلافات الراشدة ومروراً بالدولة العباسية وعهد هارون الرشيد ومملكته العظمى إلى عصرنا الحاضر القريب. وقبل أن تأتي تلك الزمرة الفاسدة الطاغية وتستولي على هذا البلد العظيم وحضارته العريقة وشموخه وإبائه وتخطفه من أهله وتاريخه وعراقته.. ومنذ ذلك الحين حل على العراق ظلام دامس طمس الكثير من حضارته وتاريخه وهويته الإسلامية والعربية العريقة بفعل تلك الزمرة الهالكة إلى الأبد والتي باتت في مزبلة التاريخ ولا شيء غير ذلك.. فمتى كان للعصابة الشرذمة أن تحكم حتى صخرة عدا أن تحكم ذلك البلد العظيم صاحب الأمجاد التليدة والعمق الحضاري والتاريخي المديد والتليد.. لقد كانت قلوبنا تنقطع ألماً وحسرة ونحن نرى العوائل والأسر العراقية المنكوبة المظلومة وهي تغادر مع أطفالها سيراً على الأقدام لا تدري أين تذهب أو تتجه. كما أننا شعرنا ولا زلنا نشعر بالمرارة والأسى والهوان كل الهوان بكل صنوفه وأشكاله ونحن نرى على الشاشات الفضائية التي تنقل الصور الأليمة المظلمة لأفراد الشعب العراقي وهم يُسحبون ويُداسون ويُفتشون من قبل قوات الغزو السافر على أرضهم وبلدهم. وقبل ذلك وبعده شعرنا بحزن وألم كبيرين ونحن نرى بغداد عاصمة الشموخ وعاصمة الدولة العباسية ومنارة العلم والثقافة ومنبر الشعر والأدب والمجد والإرث الحضاري والتاريخي تحترق ويكسو سماءها السواد الحالك والدخان الكثيف وسُحُب الحرائق من جراء القصف الوحشي الغازي والظالم. وأخيراً وليس آخر بكينا وبكت الثقافة والتراث على إحراق أكبر مكتبة بغدادية عراقية وربما عربية، والتي كانت تضم بين جنباتها أنفس وأثمن الكتب الأدبية والتاريخية والعلمية وغيرها من مجالات العلوم الإنسانية والإطلاع وبكت معنا الثقافة الأصيلة وبكى التراث وهو يرى أن أوصاله تنقطع كالشجر وتسقط كالطود الشامخ.. شاهداً على متانته وأصالته بعد أن نهب اللصوص ما بقي فيه من تحف وقطع أثرية لا تقدر بثمن ولا بكنوز الأرض ولقد عجبت وتعجب غيري أن نرى الشعب العراقي وهو يتسول وبلدهم بلد الخيرات والثروات والذي يملك الطاقات بشتى صنوفها وأشكالها وهي كثيرة لاتعد وتهدر وتعطل طاقاته وثرواته.. ويأتي بعد ذلك كله ما يعتصر له القلب ألماً وحسرة وغبناً ونحن نسمع ونرى القوات الغازية وقد وضعت يدها الآثمة على ثروات العراق وطاقاته النفطية تمهيداً لمصادرتها والاستيلاء عليها وبذلك يسلبون خيرات هذا البلد وثرواته النفطية والطبيعية كما صادروه بأكمله وشعبه.. ذلك الشعب المظلوم المحروم الذي لم يكن له في يوم من الأيام أي نصيب في هذه الثروات إلا في عهد الملكية الزاهر العصر الذهبي للعراق الذي لم يشهد له مثيل والذي نتمنى أن يعود بإذن الله.. ولكن بعد متى.. بعدما دُمر العراق واحترق وتمزق.. وربما لم يبق فيه شيء..؟! نسأل الله عزّ وجلّ بصفاته وأسمائه بأن يلطف بهذا الشعب وشعوب المسلمين أجمعين وأن يجنبهم الكوارث والفتن وجميع الشرور والمحن التي باتت تعصف بالجميع بدون استثناء وتستهدف الجميع بدون استثناء. وبقي أن نقول شيئاً آخر وهو أن العراق بعد هذه الحرب المدمرة وبعد تمزيقه إرباً وتحويله إلى أشلاء وحطام قد خرج من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي ومن دائرة المواجهة إن كان هناك صراع أو مواجهة بعد السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وفي كل الأحوال فإنه قد خرج من الصف العربي والإسلامي وخسرته أمته العربية والإسلامية.. وأصبح هذا العضو المهم والفعال من جسد الأمة عبارة عن حلقة مفقودة.. بعد أن كان معزولاً بسبب المغامرة الجنونية المتهورة التي قام بها طاغية العصر (الهالك للأبد) بغزوه للكويت والتي أحدثت شرخاً عميقاً في الصف العربي لا يزال ينزف دماً قانياً للآن.. ولا تزال تداعياته باقية وكان السبب الرئيس في كل ما حدث ويحدث الآن.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|