تحرص الدول المتقدمة على الاستثمار في مجالين مهمين يعنيان بشكل رئيس وبارز بالمواطن، ألا وهما مجال التعليم والصحة، حيث المجانية في الخدمات المقدمة للمواطن ولاحصر على الارتقاء بنوعية الخدمة المقدمة لتواكب تطلعات ورغبات المواطنين.
وحقل التربية والتعليم من المجالات التي يحرص فيها أولياء الأمور على اختيار أفضل المدارس والسؤال عن المعلمين وتميزهم في أداء رسالتهم ليكونوا مطمئنين وهم يلحقون أبناءهم فيها، ولذا فإن كثيراً منهم يدفع رسوما سنوية لتسجيل ابنائهم في مدارس أهلية بغية الحصول على تعليم مميز ومثالي ومختلف عما يتكرر في كثير من مدارسنا الحكومية، حيث ضيق الفصول وتفاوت مستوى المعلمين وغياب الوسائل التعليمية المناسبة، ومن هنا تحرص المدارس الأهلية في المقابل على جودة خدماتها وتنويعها رغبة في كسب رضا الآباء الذي يؤدي إلى تسجيل الأبناء..!
من هنا كانت الإشادة بتميز مدرسة حكومية «مجانية» في نوعية خدماتها المقدمة للطلاب والحرص الكبير على تقديم مفهوم جديد للتعليم يزاوج بين المعلومة النظرية والوسائل التطبيقية والعمل على اختيار أكفأ الأساتذة وأقدرهم في التعامل مع الطلاب، بالإضافة إلى تمييز تلك المدرسة بنوعية منتقاة من الطلاب المتفوقين، كان ذلك أمراً واجباً وحقاً من حقوق مكافأة المجتهد والمتميز وتحفيزاً للآخرين ليبدعوا ويتفوقوا.
وأذكر أني وقبل عامين تقريباً كتبت في «عزيزتي الجزيرة» رأياً قرأته وعلمته من خلال علم النفس التربوي رأيت من خلاله أن تخصيص مدرسة خاصة للمتفوقين تجربة ليست صائبة، وغير مأمونة العواقب، وإن كنت أشدت بالفكرة التي تبنتها إدارة تعليم منطقة القصيم آنذاك حينما قررت تحويل مجمع الأمير سلطان التعليمي إلى مجمع خاص بالطلاب المتفوقين، ولكني وبعد أن وقفت عن قرب وكثب على هذا الصرح التعليمي رأيت أن التجربة متميزة ورائدة من نوعها وتستحق أن تكرر في مناطق أخرى، فقد اختلطت بطلاب القسم الثانوي والمتوسط من خلال عدد من الدورات التي قدمتها لهم في مجال الصحافة وتطوير الذات، واحتككت مباشرة بالقسم الابتدائي من خلال كون ابني طالبا هناك، واستطيع أن اجزم أن مجمع الأمير سلطان يضاهي افضل المدارس الأهلية في المملكة بما يقدمه من خدمات تربوية فريدة من نوعها ومميزة، خاصة وان الموارد المالية للمجمع هي ذاتها التي تقدم لمدارس أخرى حكومية، بيد أن الحرص على التميز جعل المعلمين يقومون بإنشاء قاعات علمية وتخصصية على حسابهم الخاص، إضافة الى تبرعات بعض أولياء الأمور الذين لم يكونوا ليدفعوا ويساهموا بمبالغ وتجهيز لولا إدراكهم أن هناك عملا يبذل يستحق معه الوقوف، وكان تقديرهم من قبل سمو أمير المنطقة صائباً في حفل «تكريم الداعمين» الذي رعاه سموه قبل شهرين تقريباً.
وسأتحدث عما يقوم به مجمع الأمير سلطان للمتفوقين بمدينة بريدة في قسمه الابتدائي من خدمات في سبيل تهيئة الجو الصحي والعلمي للطالب للتميز والتفوق، حيث الاهتمام أولاً بمستويات الطلاب العلمية والحرص على ألا تقل نسبة الطالب الذي يقبل في المجمع عن 95% وهذا يريح المعلم ويجعله قادراً على الانطلاق نحو أمور أهم وأكبر واشمل من محاولة إفهام من تقل مداركه من الطلاب الآخرين إذ ربما يتسبب تشويش طالب كسول أو قليل الفهم في إضاعة الكثير على الطلاب، الأمر الآخر الذي يتميز به المجمع هو وجود قاعات متخصصة لكل مادة على حدة، تمارس فيها المادة بطريقة عملية تطبيقية، فمادة القرآن مثلاً تدرس من خلال مكان يشبه الحلق القرآنية، ومادة اللغة العربية يقدم فيها الطلاب قراءاتهم «قراءة ونصوص» وإبداعاتهم «تعبير» من خلال منبر مجهز في قاعة اللغة العربية وسط تفاعل واهتمام من الآخرين، كذلك الحال مع قاعة الرياضيات التي تحوي المواد والتجهيزات الهندسية ذات الصلة، وقاعة العلوم والجغرافيا والتاريخ وغيرها من المواد، وهذه القاعات تعمل مع وجود الفصول الدراسية التي تعنى بالجانب النظري، وما لاحظته في المجمع الاهتمام بالدورات التخصصية المساندة والتي تدور على الطلاب كدورات الحساب الآلي واللغة الإنجليزية وألعاب الدفاع عن النفس والخط والرسم وغيرها مع ما يتبع ذلك من زيارات ميدانية لجهات مهتمة بالمجال، ايضا كان للقاء الاسبوعي الذي نظمه المجمع «يوم في الأسبوع» أو المركز الرمضاني وممارسة أنشطة مكملة للمنهج المدرسي، وربط الطالب بمدرسته من خلال أنشطة ترفيهية محببة للطالب كان لها أثر كبير في كسر الحاجز النفسي بين الطالب والمعلم والإدارة، ومن أجمل ما عمل القسم الابتدائي على تنفيذه مسابقة «اجمع واربح» المخصصة للطلاب والتي تتعلق أساساً بمدى تحصيل الطالب العلمي واهتمامه بواجباته على مدار العام الدراسي حيث يمنح المعلم نقاطا للطلاب المتميزين علميا وسلوكيا وهذا الأمر جعل التنافس بين الطلاب يتضاعف بغية الحصول على أكبر قدر من النقاط للتفوق على الآخرين والحصول على جوائز المسابقة، بقي ان اشير إلى تميز النشاط الرياضي في القسم الابتدائي بشكل فاق ما هو موجود في المدارس الأخرى، ولا أدل على ذلك من تخصيصهم في اللوحة الاستعراضية الجميلة التي أشاد بها سمو الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم حينما افتتح البطولة المركزية الأولى لكرة الطائرة على كأس الأمير فيصل بن بندر على مستوى المملكة.
في الختام أود أن أشير إلى ان كلماتي هذه قليلة بحق الجهد المقدم سواء للقسم الابتدائي او الأقسام الأخرى، ولست وحدي من أثنى على هذه الجهود، حيث ان كل من زار المنطقة وتجول في المجمع خرج بانطباع جميل وايجابي، واشكر ختاماً سعادة مدير التعليم بمنطقة القصيم على رعايته لمثل هذا الصرح المهم، واشكر - كولي أمر ومواطن - الإداريين والمعلمين الذين أخذوا على عاتقهم السمو والرفعة للوصول بأبنائنا إلى مستويات علمية متميزة.
|