كلَّما كبرت الأمم..
ازدادت تفاصيل مسؤولياتها...
كالبناء، كلَّما اتسع، احتاج إلى منافذ، وإلى حرَّاس...
فالأمم تكبر بازدياد عدد أفرادها، الذين هم شعوبها، الذين هم مواطنو مجتمعاتها، الذين هم لحمتها، وسندها، وعضدها، وجندها، وممثِّلوها.. فازدياد السُّكان عدداً، يطَّرد معه اتساع رقعة المساحات التي تستوعب هذه النفوس بأجسادها...
وليست الأمم في بنائها لمواجهة عدد سكانها تحتاج فقط إلى ما يأويهم من السكن، وما يوفر لهم المعيشة من وظائف وفرص عمل، وإلى موارد كي تغذيهم، وتسقيهم، بل هي تحتاج إلى «تكوين» متكامل من المدرسة، إلى المصحَّة، إلى الترفيه، إلى... وإلى... وإلى ممَّا لا يخفى على من يعلم من أبجدية هذه الاحتياجات أوَّل حروفها، فكيف على من يعلم تراكيب جُملها وكلماتها؟...
إنَّ الإنسان يعيش في أمَّته في ملحمة تتمازج فيها الأقوال والأفعال، وإنَّه يعيش فيها رواية، وإنَّه يمثل معها قصيدة حياة، بكلِّ جرْسها، وإيقاعها، وخيالاتها، وطموحاتها، وآمالها...
وعندما تقوم،
تنشأ معها مشاعر الانتماء...، وأحاسيس الحب...،
تتنابض القلوب على الشعور بالتداخل في كينونة هذه الأمة، هذا المجتمع، هذا الوطن... لذا يحمل الإنسان هوية هذا الانتماء... يتحرك بها في ثقة، وحب، وشعور لا يقبل كائناً من كان، ولا شيئاً ما يخدشها، أو يمسُّها، أو يجرحها...، يتحول فيه هذا الإحساس إلى رغبة للحفاظ على سلامتها، وللاطمئان إلى تربتها، وللاستكنان تحت سمائها، وللعمل من أجل بنائها، وللتفكير في تطويرها، وللابتكار من أجل تقدمها... تتحوَّل إلى شيء ثمين يخاف عليه، يفتديه، يحرص عليه، يحميه، يسهر من أجله، وينشر في سبيله، وينبض بحبه...
وعندما يتحول الإحساس في نفوس الناس في مجتمعاتهم إلى هذا المستوى من الانتماء، يتضافرون، تجمعهم الأماني والطموح والعمل، كما يجمعهم الألم، والحزن، والجروح هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جسد واحد»، إذا شكا عضو فيه، تداعت له أجزاؤه بالسهر والحمى...
من هنا يتحوَّلُ كل فرد إلى حارس،
وإلى صانع، وإلى معلم، وإلى مرب، وإلى... جندي في ساحة الدفاع...
ومن هنا يتكوَّن الاحساس الجمعي بالانتماء والحب، وتتدافع مشاعر الولاء والانتماء...
فما تحتاج الرقع الواسعة للمجتمعات في أممها؟!
وقد توسعت الأهداف، وكثر المتطاولون، وعمَّت الأحقاد، وتكالب الإنسان في العالم البشري على (جثَّة) الدنيا كلٌّ يريدها لذاته؟
أليس تتصاعد الآن ضرورة التضافر من أجل (التربة والمظلَّة) في كيانات الأوطان؟!...
إنَّه وقت الإنسان...
كي يحرس فوق الأرض...
ما يتحرك في صدره من إحساس بوطنه في وقت يعمل فيه السَّاسة الكبار بطموح التوسع على تقويض هذا الإحساس في أفئدة المنتمين إلى أممهم، شعوبهم، أوطانهم.
|