لا أعتقد أنه من النبل في شيء التهكم والسخرية من المهزوم، ولا أعتقد أن الهزيمة سوى سنة من سنن الحياة موازية تماماً للنجاح.
هي الدنيا كما شاهدتها دول .. من سره زمن ساءته أزمان
لذا فليس بنيتي في مقالي هذا أن أتحدث عن شخص الصحاف وقد نتفت الخوافي والمقادم من أجنحته في المقابلة التي بثتها قناة العربية، وهي لم تحمل بحد ذاتها شيئاً ذابال، ولكن منظره آثار في ذهني مجموعة من التداعيات منها:
في تلك الفترة التي كان الصحاف متسنماً ذروة مجده، ويقذف إلى العالم العربي جميع تصريحاته النارية والبهلوانية، ويرصف من اللغو الانشائي العجيب والغريب، كتبت بان الصحاف لا يعدو كونه مهرجا ًانضم إلى جوقة مارست الكذب على الوجدان العربي لسنين طويلة، عندما انهمرت على بريدي الالكتروني رسائل التوبيخ والتقريع على كلامي، أحسست وقتها بأن الصحاف وحده لربما سيحرر العراق من المحتل، بل ان إحدى الأخوات أرسلت لي قائلة «خليه يبرد كبودنا»، عندها استغربت في هذا الوجدان العربي الذي استطاب الكذب واستمرأ الضلال وأصر على أن يعيش أكذوبته الخاصة بأي ثمن عوضاً عن الاتصال بالواقع بعلمية ومنهجية، فلعل الفترة القصيرة جداً بين الصحاف يتسنم منبره، والصحاف المهلهل المنكفئ على اكاذيبه، تجعل المقارنة ساخنة وقريبة، وبالتالي تجعل الوجدان العربي قادراً على الفهرسة، وعلى تجاوز اللغو الانشائي والطنطنة الفارغة.
الصحاف حين كان يظهر سابقاً كان بهيئة عسكرية متماسكة، وشعر فاحم، وذهن متقد، وصوت مجلجل، ولكن بعد شهرين ظهر بهيئة شيخ هرم تكالبت عليه السنون، فهل كان المشهد العراقي برمته قبل الحرب، متهلهلاً ومتهالكاً إلى هذه الدرجة.
أنا أعرف بأن المهزوم يلجأ إلى الصمت وأحياناً الانتحار، ولكن «الصحاف بحسب ما ظهر في أجوبته»، ما برح يطمح في البحث، فغزو العراق وسقوط بغداد وتخفي صدام جميعها أمور بحاجة إلى بحث وتدقيق على حسب قوله في المقابلة، وكأنها مفاجأة عجيبة بالنسبة للصحاف، لم يفكر ان يقف ويقول نعم هزمنا للعدد غير متناه من الأسباب.. لا هو مستمر في البحث، وكأن الأسلوب الذي تبلورت عليه ذهنيته كوزير اعلام عربي سابق هو صياغة الأكاذيب ومن ثم ترويجها وتسويقها.
أخيراً تنفطر أكبادنا حينما نرى عربياً (أيا كان) يهدم أكتافه ذل وهوان الاستعمار، ولكن لعله مرارة الترياق الذي نرجو أن ترعبنا مرارته، فلانسلم آذاننا بسهولة للغو والإنشاء والطنطنة بعد اليوم.
|