Thursday 10th july,2003 11242العدد الخميس 10 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإرهاب.. دوامة التعريف وازدواجية المعايير (1/2) الإرهاب.. دوامة التعريف وازدواجية المعايير (1/2)
مضواح بن محمد آل مضواح

الإرهاب بمعناه الاجرامي فعل شنيع وجريمة كاملة الأركان.. إنه فعل وحشي بربري لا يقره عقل سليم ولا يرضى به خلق قويم.. انه اسلوب الجبابرة المتسلطين الظالمين.. انه بؤرة منتنة لأفكار ومعتقدات وافعال المتعصبين والمستبدين.. انه منهج فاسدي الذوق ومعدومي الحياء.. انه من صفات اهل الغلظة والقسوة والجهل والتخلف المريع ممن جفت عواطفهم واجدبت نفوسهم وعقولهم فلا رحمة ولا رأفة ولا محبة للآخرين.
بأي حق تقتلون الأطفال؟ وبأي حق تغتالون النساء؟ وبأي حق تنتزعون حياة وهبها الله للانسان؟ وبأي حق تذبحون الامن والسلام والاستقرار؟ وبأي حق، يا من تدعون الدفاع عن الاسلام، تستخدمون بيت الله الحرام وبلده الآمن ومسجد رسوله لرسم خطط الفساد في الارض وارتكاب المحرمات؟
نعم: هذا هو الارهاب الاجرامي، وهذه هي مشاعري ووجهة نظري في هذا النوع من الإرهاب: كره وبغض واحتقار وعداء، وفراق فكري وعقلي وأخلاقي وديني وحضاري وعلمي وثقافي غير وامق.
ورغم ما احمله من مشاعر تجاه الإرهاب إلا أنها لن تنسيني ضرورة التحلي بالموضوعية في طرح ومناقشة مصطلح الارهاب، فهذا المصطلح يندرج ضمن مصطلحات العلوم الانسانية، وهذه العلوم تعاني من خلافات عميقة جدا حول المصطلحات والتعاريف، فالخلاف بشأن مفهوم المصطلح الواحد موجود حتى داخل المجتمع الواحد وبين علماء المدرسة الواحدة فضلا عن كونه موجوداً بشكل اعمق واوسع بين المجتمعات، ومن يعرف هذه الطبيعة للعلوم الانسانية، ويعرف حقيقة الأحداث التاريخية، والخصائص الدقيقة للدوافع الكامنة وراء الافعال والأقوال سيدرك لم استخدمت مسمى «الإرهاب الإجرامي» وهو ما سيتبين لاحقا.
يعود الاختلاف في التعاريف والمفاهيم في العلوم الانسانية داخل المجتمع الواحد أو المدرسة الواحدة إلى اختلاف المنطلقات والاهتمامات والقدرات، اما الخلاف الموجود بين المجتمعات بشأنها فيعود الى الاختلافات الثقافية وهذا امر طبيعي في ضوء التنوع الثقافي بدياناته وقيمه وأخلاقه وايديولوجياته وادبياته بعامة، فالجريمة مثلا تعاني من النسبية في تعريفها وتكييفها والمجتمعات ليست متفقة على تعريفها، والعلماء كذلك يختلفون اختلافا شديدا على مفهومها حتى داخل التخصص الواحد، وليس هناك سوى بضع جرائم تتفق المجتمعات على تجريمها في كل زمان ومكان، وكلما كان نمط السلوك الممثل للظاهرة او المشكلة حديثا كلما كان الخلاف بشأن تعريفه عميقا بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة.
إن هذه النسبة في تعريف المصطلحات وتكييف الأفعال امر محرج، وهي تحدث مفارقات عجيبة، بل وقد توقع البشر في مآزق مؤلمة، والى جانب ذلك فهي من اكبر العوائق التي تواجه التجانس الحضاري والثقافي، وأكثرها إعمالا للخلافات الثقافية بين الشعوب لأنها تشمل التفكير والاقوال والافعال والقيم والعادات والمفاهيم والمصطلحات وكل ما يمكن ان يحكم عليه بالصحة أو الخطأ دون الاستناد الى معايير ثابتة كتلك التي تستند إليها العلوم الطبيعية.
والإرهاب واحد من اكثر المصطلحات نسبية، ان لم يكن أكثرها على الاطلاق، الى درجة انني اعتقد انه لا يوجد شخص ممن أخذ بتعريف ما الا وهو يشعر في تفكيره وقرارة نفسه بوجود التباس، او ان هناك حلقة ضائعة، او معلومة مفقودة او غير واضحة، وسيظل هذا الشعور يزعجه ويربك أحكامه لأن الحكم على شيء جزء من تصوره، فنحن اذا تصورنا الارهاب تصورا خاطئا فسنحكم عليه حكما خاطئا وبالتالي سنواجه مواجهة خاطئة والعكس بالعكس صحيح.
ومما يزيد في ارباك التفكير وتعميق الاختلافات بشأن الارهاب ما يخرج به العقل من استنتاجات عقب استحضار الوقائع والأحداث والتصرفات التي حفظها التاريخ وذاكرة الأجيال، وهي احداث واستنتاجات لا يمكن تجاهلها عند محاولة تعريف الارهاب وتحديد معاييره.
ومنها، على سبيل المثال، ان الحرب الأهلية الامريكية اشتعلت بين الشمال والجنوب وكان كل فريق يستخدم جميع الوسائل الممكنة لارهاب الفريق الآخر والحاق الهزيمة النفسية به قبل الهزيمة المادية في المعارك، وكان ارهاب الخصم سلاحا فتاكا ادى إلا الانتصار الذي قامت على أساسه الحضارة الأمريكية، وفي الحرب العالمية الثانية لم تنتصر الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا للانسانية ضد النازية الا بفضل الدعاية واستعراض القوة التي أرهبت الجيوش النازية الى حد كبير ومهدت لهزيمتها في المعارك الميدانية.
وفي مجال الردع نجد انه بعد اكتشاف السلاح النووي لم يكتب للبشرية البقاء إلا بفضل التوازن في الارهاب النووي بين الشرق والغرب، وما كانت البشرية لتنعم بما هي عليه من تقدم علمي وتكنولوجي لو لم تتصرف العقول إلى الابتكار والعطاء العلمي في ظل ذلك النوع من الارهاب.
والمسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، والتابعين المهديين من قادة الأمة الاسلامية كانوا يعدون من العدة ورباط الخيل ما يرهبون به عدو الله وعدوهم ففتحوا الأمصار ونشروا دين الحق والعدل، وكان اعداد العدة ورباط الخيل هذا تطبيقا عمليا لنصوص القرآن والسنة.
وفي أفغانستان لم يمنع فلول الحكم الطالباني المتخلف من معاودة الظهور سوى ارهاب القوة، ولم يمنع كوريا الشمالية من شن الحرب لتوحيد الكوريتين سوى الرهبة من القوة ايضا، ولم يمنع قيام الحرب بين الهند وباكستان سوى الارهاب النووي المتوازن.
ولقد اقرت كل العهود والمواثيق الدولية حق الشعوب في التحرر والاستقلال وتقرير المصير ولم نر شعبا تحرر من الاستعمار دون ارهاب القوات الاستعمارية بالنضال والفداء والقتل، بما في ذلك الشعب الأمريكي نفسه.
ولو اتجهنا الى اطار اضيق فسنجد انه على مستوى المجتمع السعودي او الامريكي او أي مجتمع آخر لا يمنع المجرمين من ترويع الآمنين وانتهاك الحقوق سوى رهبة العقاب، وهناك أمثلة حية تدل على انه عندما تنهار السلطات التي تصدر عنها هذه الرهبة فان المجرمين يتحولون الى حكام شريعتهم السرقة واغتصاب الحقوق وممارسة القتل.
وعلى مستوى الفرد نجد ان الشخص المعتدى عليه يستخدم جميع الوسائل الممكنة لارهاب المعتدي دفاعا عن نفسه، ونشاهد ذلك موجوداً في فطرة الحيوانات والطيور وهي غير متأثرة بالعوامل الثقافية.
تأتي العلاقة بين هذه الاحداث والوقائع وبين تعريف الارهاب من خلال كون اي تعريف يعطي انطباعا ولو يسيرا بأن هذه الأحداث والوقائع خاطئة كليا او جزئيا سيكون تعريفا غير مقبول لأنه سينال من بطولات خلد ذكرها في ذاكرة وثقافة الاجيال، وتعدها بعض المجتمعات من رموز عزتها وكرامتها، وجزء من هويتها.
وهناك امثلة اخرى كثيرة بالاضافة الى ما سبق من شأنها جميعا تكريس القناعة بأن تسمية الارهاب على اطلاقها تحتاج الى مراجعة، لذلك سأستعرض بعض الاجتهادات التي حاولت تعريف الارهاب ومناقشتها وتبادل الآراء معها بهدف الوقوف على حجم الاختلافات في هذا الجانب، ومن ثم الوصول الى تعريف مقترح للارهاب وبالتالي تحديد معاييره من خلال هذا التعريف.
تعود الاتفاقيات الدولية بشأن مكافحة الارهاب الى سبعة عقود تقريبا، ففي عام 1937م تم في جنيف التوقيع على اول اتفاقية دولية لمكافحة الارهاب وكانت مصر من بين الدول الموقعة عليها، ثم تتالت الاتفاقيات والمعاهدات الاقليمية والعالمية تحت مظلة عصبة الأمم ثم الامم المتحدة فيما بعد. وفي ظل هذه الاتفاقيات والمعاهدات ظهرت محاولات جريئة لتعريف الارهاب والتفريق بينه وبين غيره من الأفعال التي تشبهه في النتائج لكنها تختلف معه في الدوافع والوسائل والغايات، ورغم ذلك فان مصطلح الارهاب لا يزال نسبيا وهلاميا وعائما على المستوى العالمي، وحتى على المستوى المحلي والاقليمي الأقرب للاتفاق يظهر الخلاف الشديد على التعاريف الصريحة المباشرة والضمنية التي احتوتها الاتفاقيات والمعاهدات ونجد التناقض والاختلاف واضحا في الاجتهادات الفردية، والى جانب قابلية مصطلح الارهاب للاختلافات الشديدة فانني اعتقد الى حد كبير ان الاتفاقيات الاقليمية تعاني من ضغوط واعتبارات سياسية شديدة لتبني وجهة النظر الغربية في تعريف الارهاب او على الأقل السير بموازاتها وعدم التقاطع معها، والأخطر من ذلك ان التعاريف ذات الطابع الحكومي في بلدان كثيرة من العالم ليس لها سند اجتماعي وثقافي في مجتمعاتنا، ولنا على ذلك براهين قوية ومنها لم يحدث عمل من تلك الاعمال الموسومة بالارهاب والتي تنفذها الجماعات والمنظمات الارهابية من وجهة نظر بعض الحكومات الا وهناك من يعده عملا بطوليا او نضاليا او استشهاديا، وعملا مشروعا للدفاع عن النفس وكبح جماح الهيمنة والظلم والاستبداد على المستوى الشعبي فحسب، بل نجده حتى على المستوى الرسمي، ومن المفارقات العجيبة في هذا الجانب ان المجتمعات على تنوعها وتباين ثقافاتها تبدو اكثر موضوعية وثباتا من بعض الحكومات فيما يتعلق بوصف فعل من الافعال بأنه فعل ارهابي إجرامي، او بوصفها له بالعمل المشروع، ذلك لانها تنظر الى الواقعة نظرة عفوية تلقائية لا تقودها ولا تسوقها النوايا والمصالح السياسية في الغالب الأعم.
من الواضح ان الازدواجية في تعريف الارهاب وتحديد معاييره هي افرازات حكومية رسمية سياسية للدول المهيمنة ترقى الى مستوى المنهج في التعامل مع هذه الظاهرة، بمعنى انها ازدواجية مقصودة، ومن قبيل ذلك ان عملا تقوم فيه اسرائيل بالاغتيال والقتل المنظم للمدنيين الفلسطينيين واللبنانيين يعد عملا مشروعا من وجهة النظر الرسمية لاسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعدان ذلك عملا ارهابيا اذا ما تعرض له مستوطن أو جندي اسرائيلي، ومن قبيل ذلك أيضا ان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحتلان العراق ويقصر الوصف عن بلوغ الصورة الحقيقية للفظائع التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب العراقي ومع ذلك لم توصف بأنها ارهاب بينما توصف عملية تافهة يقتل فيها جندي محتل في العراق بالعمل الارهابي.. ان هذا كله يولد قناعة صادقة وقوية بأن تعريف الارهاب يختلف باختلاف الدول والمواقف والاتجاهات السياسية، وان الارهاب يوظف من قبل بعض الدول المهيمنة لتحقيق المكاسب السياسية والمادية.
تأتي المواقف والاتجاهات السياسية بمسميات مقولبة للجماعات والمنظمات التي تمارس العنف، ومنها: ارهابيون، مخربون، عصاه، باغون، منشقون، مجرمون، معارضون، راديكاليون، وتأتي وجهات النظر الاجتماعية بمسميات تعكس الأبعاد الثقافية والمعرفية والخبرات والتجارب، ومنها: مجاهدون، محاربون، أبطال، مناضلون، محررون، مكافحون، فدائيون، استشهاديون، وينعكس هذا الاختلاف ايضا على وصف وتسمية الأفعال التي تصدر عن هذه الجماعات والمنظمات.
لقد أفرزت هذه الازدواجية والاختلافات والتناقضات والمفارقات عددا كبيرا من التعاريف للارهاب يمكن تصنيفها الى ثلاث مدارس:
1- مدرسة الركن المادي: وهذه المدرسة تركز على الركن المادي للعمل الارهابي، ومن هذا المنطلق عرف الارهاب بأنه: القتل، والاغتيال، والتخريب، والتدمير، واتلاف الوثائق العامة، ونشر الشائعات، واحتجاز الرهائن والممتلكات.
وبغير عناء يمكن نقد هذه المدرسة بأنها لم تأت بشيء أكثر من انها فسرت الارهاب بالارهاب كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء.
2- مدرسة الركن المعنوي والمشروعية: وهذه المدرسة تركز على الركن المعنوي والموضوعي للعمل الارهابي، ومن هذا المنطلق فهي تعول في صدق تعاريفها على القصد والدافع والمشروعية، ومن رواد هذه المدرسة الامين العام للأمم المتحدة السيد كوفي انان. وفي اطار هذه المدرسة ظهرت تعاريف كثيرة للارهاب يمكن اختصارها في تعريف واحد يقول: الارهاب هو اي عمل عنيف غير مشروع يتم تنفيذه بوسائل غير مشروعة لتحقيق اهداف غير مشروعة.
ومن يعمل التفكير في التعاريف التي تبنتها هذه المدرسة يجد انها تعاريف سياسية دبلوماسية بل وغير موضوعية، ذلك لان ركن المشروعية ليس واحدا في جميع البلدان لا من حيث الفعل ولا من حيث الوسيلة ولا من حيث القصد والغاية. كما ان هذه المدرسة فتحت الباب على مصراعيه للدول المهيمنة كي تفسر - كما هو حاصل - اي عمل لا يروق لها ولا يخدم مصالحها بأنه عمل ارهابي، كما ان السلطة المحتلة والظالمة المستبدة ستسن من التشريعات ما يجعل من كل عمل بطولي لمواجهتها عملا ارهابيا وجنائيا، ولو تم تبني تعريف ما من هذا المنطلق فسيتم تجريم كل مظهر من مظاهر النضال ومقاومة المحتل الغاصب والسلطة الظالمة المستبدة، هذا من ناحية المشروعية، ومن الناحية الثقافية فإن وجاهة وموضوعية الانتقادات التي يمكن ان توجه لهذه المدرسة لا تقل عن تلك التي رأيناها في مجال المشروعية، ومن ايسر الانتقادات واوضحها في المجال الثقافي ان الاهداف والدوافع النبيلة لدى مجتمع ما قد تكون رديئة لدى مجتمع آخر.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved