التجاوزات والتناقضات التي تكتنف العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية التي «تتوثَّق» من خلال الحكومة الفلسطينية برئاسة محمود عباس «أبو مازن» والحكومة الإسرائيلية برئاسة ارئيل شارون تثير جملة تساؤلات، من أهمها استهتار حكومة الإرهابيين الإسرائيلية ب «حكومة المعتدلين الفلسطينية».. وهذا الاستهتار يظهر بوضوح في موضوع الأسرى الفلسطينيين، هؤلاء الأسرى الذين يشكِّلون حالة استثنائية وغريبة لم تشهدها أي اتفاقيات أو مفاوضات بين أطراف خاضت مواجهات وقتالاً ثم ارتضت التفاوض.. ففي كل المفاوضات التي جرت بين الفرقاء يكون أول إجراء إطلاق سراح الأسرى الذين ما كان لهم أن يقعوا في الأسر أو يتم اعتقالهم لولا القتال الدائر الذي يجري التفاوض على وقفه، وهم في مجملهم معتقلون سياسيون، أي سجناء رأي حتى وإن حملوا السلاح..
هذا ما حصل في المفاوضات الأمريكية - الفيتنامية، والمفاوضات الفرنسية - الجزائرية.. أما ما يجري ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين فهو أمر شاذ وغير متبع وغير إنساني، ويظهر عدم احترام الإسرائيليين للفلسطينيين.
الإسرائيليون أطلقوا بعض المعتقلين وما زالوا يتفاوضون على إطلاق سراح بضع مئات من آلاف المعتقلين الفلسطينيين، ولكن قبل أن يتم إطلاق دفعة جديدة.. وقبل بحث الثمن الذي يتوجب على السلطة الفلسطينية دفعه لحكومة الإرهابيين في إسرائيل.. علينا أن نتساءل: من هم الذين أطلق سراحهم من المعتقلين..؟!
المعلومات الواردة من الأرض المحتلة تذكر أن من أُطلق سراحهم هم المعتقلون الإداريون والمحكوم عليهم بقضايا جنائية، أما المعتقلون الإداريون فهم الذين تعتقلهم قوات الاحتلال الإسرائيلية في غاراتها على المدن والقرى الفلسطينية وتضعهم في معتقلاتها دون محاكمة، وإذا ما أطلقت إسرائيل سراح ثلاثمائة منهم كما تعرض الآن فإنه بمقدورها أن تعتقل ضعفهم بعد ساعات طالما بقي الاحتلال.
وأما المحكومون جنائياً فهم الذين ارتكبوا جرائم جنائية وهؤلاء لا يمكن تصنيفهم كمناضلين أو سياسيين، بل إطلاق سراحهم خطورة على الأمن الاجتماعي.
إذن ماذا سيكسب الفلسطينيون من الادعاء الاسرائيلي بأن يقدموا على عمل لإظهار حسن النيِّة بإطلاق سراح الأسرى، في حين يتجاوز عدد الاسرى الآن 6500 أسير من بينهم 1100 معتقل إداري و76 أسيرة، و286 طفلاً و40 أسيراً عربياً، و60 معتقلاً من فلسطينيي الأرض التي احتلت عام 1948م.
حسن النية وجدية التفاوض أن تطلق إسرائيل سراح كل هؤلاء، مثلما فعل الأمريكيون والفرنسيون مع الفيتناميين والجزائريين، وتحترم المفاوض الفلسطيني بالابتعاد عن تصنيف الفلسطينيين وتقسيمهم الى فئات وأنصار ومحازيب، فالأسير الفلسطيني واحد لا فرق بين من ينتمي للجهاد أو حماس أو فتح.. فكلهم فلسطينيون وجميعهم تسعى حكومة أبو مازن لإعادتهم لعوائلهم التي افتقدتهم منذ سنين.
|