مدينة الطائف صاحبة أولويات كثيرة في العديد من المجالات سواء على المستوى المحلي أو العربي أو الدولي.. وفي المجال التعليمي كانت الطائف تحمل لواء بعض الأولويات مثل تأسيس مدرسة دار التوحيد التي تأسست عام 1364هـ والتي كان الخريج منها في ذلك الوقت يعتبر خريجاً جامعياً.. والدليل على ذلك أن عدداً كبيراً من خريجي هذه المدرسة قد تسلموا مناصب كبيرة في الدولة..
أما في مجال التعليم والتدريب المهني فقد حمل لواءه الشيخ سعيد محمد بافيل الذي يعتبر من جيل الرواد في التدريب.. كيف لا وهو أول من أسس معهداً للتدريب على الآلة الكاتبة وتعليم اللغات هو (المعهد الفني السعودي) وكان تأسيس ذلك قبل أكثر من 40 عاماً أي قبل أن يدخل تعليم البنات مدينة الطائف بأربع سنوات..
والشيخ بافيل من الرجال الذين لهم دور بارز ومن الذين أسهموا إسهاماً كبيراً في انتشار التعليم الفني والتدريب.. خاصة وأنه يحمل في داخله مخزوناً هائلاً من الحب والعشق لمدينة الطائف وأبناء الطائف ورجالات الطائف.. فبرغم أن التجارة هي حرفته وأن سوق المال والأعمال يأخذ كل وقته إلا أنه في بداياته فكر في إنشاء وتأسيس شيء مفيد ومنتج لكوادر وطنية تسهم في بناء الوطن.. من أجل ذلك أحببنا تسليط الضوء على فكرة إنشاء المعهد والهدف منه وكيف تبلورت فكرة إنشائه في تلك الفترة الزمنية.
تعليم
* أنت من الرواد في إدخال التدريب الفني والمهني بالطائف .. كيف تبلورت هذه الفكرة لديكم؟ ومتى تم التأسيس وأين؟
* بداية نشيد بما وصل إليه التعليم في المملكة ولله الحمد فقد وصل إلى مراحل متطورة جداً ولا أدل على ذلك من الارتفاع الكبير والهائل في عدد المدارس بشتى مستوياتها إضافة إلى وجود الجامعات والكليات والمعاهد الفنية بتخصصاتها المتعددة..
أما عن قولك عني من الرواد فإنه لشرف عظيم وكبير لي أن أكون أول من أسس معهداً للتدريب الفني وتعليم اللغات في الطائف وكان يحمل في ذلك الوقت اسم (المعهد الفني السعودي) وما زال وقد تأسس في عام 1376هـ في محلة السليمانية سابقاً في عمارة بافيل .. قبل أن ينتقل إلى مقره الجديد بعد أن تم إزالة المنطقة التي كان المعهد بها..
فكرة
* كيف كانت البداية وهل واجهتكم صعوبات في تأسيس المعهد.. وما هي الكوادر التي استعنتم بها في ذلك الوقت؟
* ليس هناك بداية فهي فكرة تبلورت إلى واقع ملموس.. فقد بدأنا بثلاث طابعات ومدرس واحد ولم تواجهنا أية صعوبات ولله الحمد لأنه لم يكن في ذلك الوقت هيئة إشرافية على مثل هذه المعاهد ولأن الهدف نبيل .. أما عن الكوادر فقد استعنا في بداية الأمر بالأشقاء من سوريا ومن الأردن..
مستفيدون
* من الذين استفادوا من التدريب؟
* كثيرون هم المستفيدون فنستطيع أن نقول إن جميع شرائح المجتمع الراغبين في التعلم هم المستفيدون من المواطنين ومن المقيمين.. ففي تلك الفترة كان هناك شح كبير في المتعلمين من ناسخي الآلة الكاتبة.. وكانت الدوائر الحكومية في حاجة إلى كوادر من الناسخين.. وقد تخرج عدد كبير من النساخ من المعهد فبرغم أنه لم يكن هناك شهادة من جهة رسمية كما هو الحال الآن.. إلا أن الفائدة والعائد كانا كبيرين للمتعلمين..
مدربون
* من أشهر المدربين بالمعهد في ذلك الوقت؟
* نستطيع أن نقول أن الأستاذ/ علي خضران القرني نائب رئيس نادي الطائف الأدبي حالياً هو من أبرز الشخصيات التي أشرفت على المعهد في الفترة من عام 1383ه حتى 1390ه أي بعد ثماني سنوات من تأسيسه وعاونه في تلك الفترة الأستاذ/ عباس كدارة * يرحمه الله * الذي أشرف على المعهد بعد انتقال علي خضران من مدينة الطائف.. حيث إنه في تلك الفترة تم الاعتراف بالمعهد.. وأصبحت الهيئة الإشرافية عليه هي وزارة المعارف وتصدق الشهادات من قبل إدارة التعليم.
إقبال
* كيف كان الإقبال على المعهد في تلك الفترة؟ وكم مدة الدورة؟ وما هي الرسوم التي كانت تترتب على المتدرب؟ والشروط المطلوبة في المتقدم للتدريب..
* سبق وأن قلت لك إننا بدأنا بثلاث آلات كاتبة.. حتى أصبح لدى المعهد وبعد فترة وجيزة في عهد الأستاذ علي خضران 30 آلة وقد زاد الإقبال على التدريب في تلك الفترة خاصة وأن التعليم يتم في الفترة المسائية حيث كنا نستقبل عدداً من الموظفين.. أما عن الدورة.. فلم يكن هناك مدة محددة للحصول على الشهادة فعملية اتقان الكتابة والسرعة هما المقياسان اللذان يتم بهما منح الشهادة.. وكان المعلوم والمطلوب من المتدرب الجيد أن يطبع 40 كلمة في الدقيقة الواحدة. أما عن الرسوم فهي لم تتجاوز (120 ريالاً) للدورة كاملة. أما الشرط الوحيد الذي كنا نطلبه من المتدرب فهو اتقان القراءة والكتابة..
خدمة الوطن
* لماذا فكرت في ذلك الوقت بتأسيس هذين المعهدين؟
الهدف أولاً وأخيراً هو خدمة الوطن وأبناء الوطن وبحكم معايشتي للواقع الاجتماعي والوظيفي في تلك الفترة فقد وجدت كثيراً من الموظفين والطلاب لا يجدون ما يشغلون به وقت فراغهم فكانت فكرة تأسيس المعهد في تلك الفترة.. خاصة وأن وقت التدريب كان في الفترة المسائية.
استمرار
* لماذا تخليت عنهما الآن؟
* من قال انني تخليت عنهما .. فالمعهد ما زال قائماً.. بكل مقوماته في مقره الذي انتقل إليه في شارع البريد.. إلا أن التطور الحديث الحاصل في المجتمع.. ودخولنا عصر الكمبيوتر والإنترنت وكثرة المعاهد المنتشرة في كل أرجاء المدينة.. وانتقال الإشراف على المعاهد إلى المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني.. كل هذا جعلنا نتريث في عملية تحديث المعهد وتحويله إلى معهد نموذجي حديث.. والفكرة ما زالت قائمة حتى اللحظة.
حاجة ضرورية
* ماذا تتمنى من شبابنا وشاباتنا اليوم في مجال التدريب والتأهيل الفني؟
- التدريب والتأهيل أصبح حاجة ضرورية للمجتمع .. والدولة ولله الحمد بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين لم تقصر في ذلك فالمعاهد المهنية والكليات التقنية للبنين والبنات متوفرة ولله الحمد في كل مدينة من مدننا.. وما على شبابنا سوى الانخراط في هذه المعاهد والكليات لأن الوطن في حاجة إلى السواعد السعودية الفنية المدربة.. وهي دعوة عامة لأبنائنا وبناتنا للانخراط في التدريب بكل تخصصاته فالاعتماد على أجيالنا الحاضرة والقادمة لمواصلة عجلة ا لتطور والنماء لهذا البلد.
روايتان
* ما هي أبرز الحالات التدريبية أو الغريبة التي مرت بكم؟
* هاتان الروايتان على لسان الأستاذ/ علي خضران الذي يرويهما لنا وهما:
* الأولى : أحد المتدربين وهو (محمد النفيعي) وكان يعاني من إعاقةسمعية حيث التحق بالمعهد وأكمل الدورة المخصصة له واتقن وحسب معلوماتنا انه توظف في مستشفى الصحة النفسية بالطائف كناسخ آلة..
* أما الثانية: وهي الأشد غرابة لشاب يمني (أعمى)ّ تقدم للمعهد ورغم معارضتي لفكرة التحاقه بالدورة (والكلام للقرني) إلا أن ذلك الشاب أصر على الدخول في الدورة.. وكان يحضر إلى المعهد ويأخذ الأساسيات بعد نصحي له بأن يشتري له آلة في المنزل ويمارس التدريبات عليها مع حضوره للدروس في المعهد..
وقد كانت مفاجأة بالنسبة لي عند اختبار ذلك الشاب الذي تفوق في الدورة في وقت قياسي. وحصل على الشهادة..
|