تضطرب (بوصلةُ) الفرح والفزع في خاطري كلَّما سمعتُ أو قرأتُ حديثاً عن (مشروع سلام) قادمٍ إلى منطقة الشرق الأوسط.
* فأنا - كغيري من أهل هذا الكوكب المنكوب ب(عولمة) الإرهاب - أحلمُ بعودة ابتسامة الشمس إلى فضاء العرب الملوّثِ بأنفاس الحزن، وأحلم باستئناف القمر.. مشوار نجواه مع العشاق!
* ولهذا وذاك.. أفرح!
**
* لكنني في الوقت نفسه أفزعُ ويشتد بي الفزع.. حين يرتدُّ إليَّ الوعي أو أعود إليه ليذكِّرني بالمواقف التي يمارسها أكثر من طرف معنيٍّ بمعادلة السلام الغائب أو المغيّب قسْراً، إمّا (رفضاً) لهذه المعادلة، جُزءاً أو كلاً، ترجيحاً لمصالح معيّنة تبدأُ وتنتهي بأصحابها، وإمّا (نفاقاً) سياسياً مكشوفاً يكيلُ للقضية بمكيالين اصطفاءً لهذا الطرف.. أو اقصاءً لذاك!
**
* واليوم.. تتحدّث الأنباء عن (هدنة) جديدة تسبقُ (مشروع سلام)، فهل تفرز الهدنةُ الجديدةُ سلاماً حقيقياً أم أنها (استراحة محارب) ليس إلاّ؟!
وقبل سنين.. اصطادني مسٌّ من الفرح احتفاءً بسحابة سلام قيل إنها ستهطل في مدريد، وظننت يومئذٍ أن سلام (مدريد) سينقل هذه المنطقة من قِفار الحرب.. إلى واحة الأمن والعدل!
كانت الأبصار يومئذٍ مشدودة نحو (مدريد)، وكانت الأفئدة مشْرعة الأبواب تفاؤلاً أن تكون مدريد نقطة العبور نحو السلام الموعود!
**
* وبعد ذلك، جاء اتفاق (أوسلو).. من العدم.. ليفاجئ العالم.. ويُفاجأ به بعض أصحابه، توقيتاً وإخراجاً ومحتوى!
ومرة أخرى، ظنَّ الناس بحذرٍ متفائلٍ أنّ (سحابة) أوسلو، رغم غموضها، ستمطرُ برداً وسلاماً يُخرسان مدافع القهر!
**
واليوم أعود للكتابة عن ذلك السلام الذي كان سراباً.. فحُلماً.. فشبَهاً من الحقيقة، وأخشى الآن أن يعود سراباً كما بدأ، فأقول:
* مسكين هذا السلام! الذين لا يستطيعون صنعَه، يلهثون شوقاً إليه، والذين يستطيعون صنعَه، تخورُ عزائمهم خوفاً منه أو خوفاً عليه!
**
* والعربُ، ومعهم الفلسطينيون، أعطوا الكثير من أجل السلام، وتنازلوا عن الكثير في سبيله، وغضوا الطَّرف عن الكثير خدمة له.
ورغم ذلك.. ما برحت تشقيهم اللهفة.. سعياً إليه!
* أما الإسرائيليون، فلم يعطوا سوى القليل من أجل السلام، وضنُّوا بالكثير في سبيله، ونثروا في دروبه أشواكاً من الحيل والشروط والتحفظات قدراً لا يخدم السلام بل يهزمه! وأحالوا الوعد وعيداً، حتى بات نزيف الجرح الفلسطيني اليوم أعظم من حجم صبر أهله ونضالهم وبذلهم من أجله!
**
* ما برحنا نحن العرب نعاني عقدة (قُصَيْر) الذي لم يُطعْ له أمر ولا نهي، في الوقت الذي يعربد فيه مستوطنو إسرائيل وجنودها.. ومعهم جزار العصر شارون الذي علّم أهله العبث بمصائر الأبرياء، والكلُّ خارج هذه المنطقة يتفرج، بين مشفقٍ علينا وشامتٍ بنا!
**
* لم يبقَ لي في الختام سوى أن أعزف على وتر الحزن القديم المتجدد، فأقول:
* مساكينُ نحنُ العرب.
* كم باسم السلام أرقْنا الحياء،
* كم في سبيله بلعْنا الكبرياء،
* كم من أجله مسّّتْنا الخطوبُ،
ورغم ذلك يظلُّ السلام قريباً منا وبعيداً عنا في آن!
**
ومن يدري، فقد نمضي نراهن.. على ما بقي لنا من شيء، فلا نبلغُ منه شيئاً سوى السراب الذي يحسبُه الظمآن من هجير الصيف ماءً!
|