Monday 7th july,2003 11239العدد الأثنين 7 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب الصهيونية المسيحية -1- قراءة في كتاب الصهيونية المسيحية -1-
عبدالله الصالح العثيمين

هذا الكتاب الجيد من تأليف الأستاذ الكريم محمد السمَّاك. وقد أصدرت الطبعة الثالثة منه دار النفائس في بيروت قبل سنتين، وهو ذو صلة بجوانب تحدَّث عنها الأستاذ منير العكش في كتابه (حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية). ولهذا السبب فإني أستأذن القارئ الكريم بإيراد موجز لأبرز ما في كتاب العكش قبل إيراد قراءتي لكتاب السمَّاك.
أبرز ما في كتاب العكش أمران. الأول أن الأوربيين، وبخاصة الأنجلو ساكسون، الذين ذهبوا إلى أمريكا واستعمروها ارتكبوا جرائم إبادة لسكانها المسمِّين بالهنود الحمر. وقد عرض المؤلف ذلك الأمر عرضاً وافياً.
ومما ذكره أن جورج واشنطن المسمّى بأبي الجمهورية قال: «إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترشة من غاباتها». وأنه دمَّر 28 بلدة من بلداتهم في منطقة البحيرات الكبرى وحدها. وقارن المؤلف، أحياناً، بين جرائم أولئك المستعمرين الأوائل وجرائم أحفادهم فيما بعد. ومن ذلك جرائمهم ضد اليابانيين، التي توِّجت بتدمير هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية. وأورد في هذا المجال نصاً لمراسل حربي أمريكي مقتبس من كتاب (حرب بلا رحمة) لجون ديور. قال ذلك المراسل:
«لقد قتلنا الأسرى بدم بارد، ومحونا المستشفيات من الوجود، وأغرقنا مراكب الإنقاذ، وقتلنا المدنيين وعذبناهم، وأجهزنا على الجرحى، وجرفناهم إلى حفر جماعية. وهناك في الهادي سلقنا لحم جماجم أعدائنا لنصنع منها عاديات تذكارية توضع على الطاولات وتهدى إلى الأحباب، أو صنعنا من عظامهم سكاكين لفتح الرسائل».
ولم تكن تلك الفظاعة إلا محافظة على نهج سابق للأجداد، ففي عام 1814م أشرف الرئيس جاكسون بنفسه على سلخ 800 من هنود الكريك، واقترح أن ترسل قطع من تلك الجثث هدايا إلى السيدات الارستقراطيات في تنسي.
والأمر الثاني البارز في كتاب العكش - وهو المتصل بكتاب السمَّاك - أن المستعمرين الأوائل لأمريكا من الأوروبيين عندما وطئت أقدامهم تلك القارة كانوا يتبنَّون عقيدة دينية صهيونية الملامح والرؤى، فسمَّوا البلاد التي استعمروها «أرض الميعاد»، و«صهيون»، و«إسرائيل الله الجديدة». وهذه التسميات تسميات أطلقها العبرانيون القدامى على فلسطين، بل إن الحاخام المؤرخ لي ليفنجر Lee levinger قال: إنهم كانوا أكثر يهودية من اليهود، وإن يهوديتهم هي التي أرست الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأمريكي في كل محطاته، وهي: المعنى الإسرائيلي لأمريكا، وعقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي، والدور الخلاصي للعالم، وقدرية التوسع اللا نهائي، وحق التضحية بالآخر.
ولتعمُّق تلك العقيدة الصهيونية في قلوب أولئك المستعمرين الأوائل لأمريكا لم يكن غريباً أن يقول جورج بوش (1796-1859م) في كتابه حياة محمد مؤسس دين الإسلام وامبراطورية السارزن (الاسم الذي أطلق على المسلمين احتقاراً لهم): «ما لم يتمّ تدمير امبراطورية السارزن فلن يتمجَّد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم». وشبيه بهذا الكلام ما فاه به الرئيس كلينتون في إحدى زياراته لفلسطين المحتلة؛ إذ قال: «إن الكاهن الذي ربَّاني قال لي موصياً: إن لم تقف مع إسرائيل فسيغضب منك الرب». ولم يكن غريباً، أيضاً، أن تقف الحكومات الأمريكية المتعاقبة مع الصهاينة المحتلين لفلسطين؛ عسكرياً وسياسياً؛ واقتصادياً، وأن تدافع عما ارتكبوه ويرتكبونه من جرائم فظيعة، بل أن يصف الرئيس الأمريكي الحالي رئيس وزراء أولئك الصهاينة، شارون، برجل السلام، وهو المجرم الذي طالب الشعب البلجيكي العظيم بمحاكمته على أنه مجرم بحق الإنسانية لدوره في مجزرة صبراً وشاتيلاً. وما مجرزة جنين وغيرها منا ببعيد.
أما بعد:
فإن كتاب (الصهيونية المسيحية)، الذي ألَّفه الأستاذ الكريم محمد السمَّاك، يتكون من 189 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على مقدَّمة للطبعة الثالثة، وأخرى للطبعة الثانية، ومدخل، وقائمة بمحطات تاريخية بارزة، ثم سبعة فصول، فملحقين، فقائمة بالمصادر والمراجع، ثم قائمة بمحتوياته. أما الفصول فعناوينها كما يأتي: الصهيونية المسيحية الأرووبية، الصهيونية المسيحية الأمريكية، الصهيونية المسيحية بوابة أمريكا إلى الوطن العربي، الصهيونية المسيحية والإسلام، الصهيونية المسيحية والقانون الدولي، مؤسسات الصهيونية المسيحية، وفي مواجهة الصهيونية المسيحية. أما الملحقان فأولهما رسالة السلطان عبدالحميد إلى الشيخ محمود أبي الشامات، وثانيهما رسالة الملك عبدالعزيز إلى روزفلت ورسالة هذا الجوابية.
وقد افتتح الأستاذ السمَّاك مقدَّمة الطبعة الثالثة لكتابه بذكره أن هناك عنصرية معادية لليهود حتى الموت، وحركة دينية مؤيَّدة لهم حتى الموت، الأولى حمّلتهم مسؤولية ما أصاب مجتمعاتها من فتن، فعملت على إبعادهم عنها أو التخلُّص منهم. والثانية اعتقدت أنه لا بد من إقامة دولتهم من أجل عودة المسيح المنتظر، فرأت دعمهم واجباً دينياً وشرطاً ضرورياً لظهوره الثاني في معركة هر مجيدون ليملأ الأرض عدلاً وسلاماً ألف سنة قبل قيام القيامة.
ثم أوضح الأستاذ السمَّاك العلاقة الوطيدة بين المسيحيين المؤمنين بالعقيدة المذكورة والحركة الصهيونية. وأشار إلى استثناء الدستور الأمريكي اليهود الأمريكيين من القيود الموضوعة على غيرهم، مثل عدم فقد اليهودي جنسيته الأمريكية، وإن صوَّت في انتخابات دولة أخرى أو خدم في جيش إسرائيل.
وإذا كان الرئيس الأمريكي جون آدمز قد دعا سنة 1818م، إلى إعادة اليهود إلى فلسطين وإقامة حكومة يهودية مستقلة فيها فإنه لم يكن غريباً أن يتبنَّى قادة بريطانيا مثل تلك الدعوة التي بلورها اللورد شافتسبري، عام 1840م في برنامج يهدف إلى توطين اليهود في فلسطين قاعدته أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأن يكوِّن البرلمان البريطاني، سنة 1844م، لجنة «إعادة أمة اليهود إلى فلسطين».
وفي ظلِّ ذلك التعاطف؛ أمريكيا وبريطانيا، ترعرعت الحركة الصهيونية حتى عقدت مؤتمرها الأول سنة 1897م.
وبعد عشرين عاماً من ذلك التاريخ نجحت في استصدار وعد بلفور المشهور الذي أيَّده بقوة الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون؛ وهو العمل على إقامة وطن يهودي في فلسطين.
ويختتم الأستاذ السمَّاك تلك المقدمة بقوله:
إن هناك ثلاثة عوامل رئيسة في تولِّي أمريكا مسؤولية دعم إسرائيل وحمايتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. الأول: تنامي النفوذ الصهيوني اليهودي وسيطرته على أسواق المال ومنابر الإعلام فيها. والثاني: تنامي الحركة الإنجيلية التدبيرية المؤمنة بالتفسيرات السياسية لنبوءات توراتية تربط بين عودة المسيح وقيام إسرائيل.
والثالث: تنامي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؛ أي المنطقة العربية. وهذه العوامل هي التي كوَّنت اعتقاداً بأن الله يحمي أمريكا لأن أمريكا تحمي إسرائيل».
أما مقدَّمة الطبعة الثانية فذكر المؤلف فيها أن صدور تلك الطبعة تزامن مع ثلاثة أمور. الأول ظاهرة التخويف من الأصولية الإسلامية. والثاني سقوط النظام العالمي بتفكك الاتحاد السوفيتي. والثالث بدء المباحثات الإسرائيلية العربية انطلاقاً من مؤتمر مدريد. وقد ركَّز على الأمر الثاني، فذكر في حديثه عنه أن الغرب أصبح ينظر إلى الإسلام على أنه العدو الذي يجب أن يتفرَّغ لمحاربته. وأورد ما قاله الرئيس نيكسون في كتابه «اقتناص اللحظة» من «أن الغرب سيضطر إلى تكوين حلف مع موسكو لمواجهة عالم إسلامي معاد وعنيف.... وأن معظم الأمريكيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم برابرة لا يسترعون انتباهنا إلا لأن الحظ حالف بعض قادتهم وأصحبوا حكاماً على مناطق تحتوي على ثلثي الاحتياطي العالمي المعروف من النفط».
وأورد، أيضاً، ما قال كيسنجر، عام 1990م، من أن «الجبهة الجديدة التي على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الإسلامي باعتباره العدو الجديد له».
وأشار إلى مقاله نشر في الإيكونومست عنوانه: «الإسلام: الإيديولوجية البربرية المعادية للغرب». وما قالته مجلة ألمانية متخصصة بالاستراتيجية من أنه «لم يعد هناك نقاش كثير حول حق الغرب في التدخل (بشؤون العرب والمسلمين). بل إن ما تجري مناقشته الآن هو كيف يمكن الوصول لتحقيق أهداف الغرب بأقلِّ قدر ممكن من الخسائر. وفي ظل هذا الجو يقبل التصرف الأمريكي المعتمد على القوة العسكرية المتفوقة والمتجاهل للأمم المتحدة مع الادعاء بالاعتماد على قراراتها ما دام المطروح العقلانية أو الإسلام. بل إن التدخل الأمريكي يصبح مع الوقت حملة تبشيرية من أجل الحضارة والحرية».
كان ذلك الكلام قد نشر عام 1990م، أي قبل العدوان الأخير على العراق بأثني عشر عاماً، أما السؤال عن كيفية وصول الغرب إلى تحقيق أهدافه بأقلِّ قدر ممكن من الخسائر فجوابه: لا داعي للقلق، لأنه سيوجد من المنتمين إلى أمتنا من يساعده في تحقيق المراد. وأما ما ذكر بعد ذلك السؤال فما أقدمت عليه أمريكا، سواء في مجلس الأمن أو في ادعائها ما ادعته تبريراً لعدوانها الأخير، يدلُّ على تحقُّق ما كتب. وما لكاتب هذه السطور إلا أن يقول: فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved