وتجيء الإجازة الصيفية في موكبها المخملي.. تستحث الخطى.. تركض في مدار الزمن.. تحت ظلال الشوق والترقب.. من نفوسٍ أثقلها التأهب.. تجيء الإجازة لتقف على ضفاف القلوب المكتظة بمشاعر اللهفة والانتظار.. وها هي ريشة البهجة تكتب تفاصيل الاحتفاء المحفوف بمقاطع عشق قديم.. وتلون ملامح وجوههم المسكونة بحوارات صيف ساخن.. ولا تسل عن أعينهم التي تحرث تضاريس الخريطة بحثاً عن مواقع استجمام بريء يعيد للنفوس العطشى شيئاً من توازنها الذي ذاب تحت أقدام الصيف.. فهل ثمة فائدة حينما نقول رافعين عقيرتنا: عذراً شبابنا.. لا تضيعوا اللبن..
في عصر مترهل بآثار الانبهار.. ومترع بدوائر التفلت والإغراء.. أجل.. تطل الإجازة من جديد.. تهب رياح الاسترخاء.. تتحرك الحقائب الواجمة طوال العام.. وتتدحرج تذاكر السفر.. وها هي الطيور المهاجرة.. تعود للتحليق في مشهد موسمي معتاد.. يعاد عرضه فوق مسرح الإجازة.. المثخنة بالمشاريع الترويحية المعلبة.. للأسف تغيّر الزمن.. ولم تتغير طقوس الإجازة في نظر السواد الأعظم وكأنها شريحة زمنية خارج إطار الزمن.. مجرد أيام أنيقة.. مليئة بقفز ماتع فوق حواجز الخريطة.. ارتحال مثقل بمفردات المسافة الحرة التي تركض فوقها أقدام النزوات.. وصخب معبأ بقوارير الأسئلة.. قد يستحيل الليل إلى نهار متفلت الإطار.. وكأنها أيام ضائعة من زجاج.. تتيح للمرء الخروج على النصر.. وانتهاك القيم عبر هدر مالي وتهاون أخلاقي.. وجموح أسري يؤكد أننا لم نستوعب بعد المفهوم الجميل للإجازة.. ولم نفطن للمعاني العظيمة التي يمكن أن تشعلها مصابيح التواصل وقناديل العطاء في فضاء الإجازة.. لنمارس إحساساً بقيمة الوقت ونعتاد ملء أوقات فراغنا بالصفقات الأسرية والمجتمعية الرابحة عبر نشاطات وبرامج نافعة محافظين على أخلاقنا وممسكين بقيمنا ومدركين أهمية البناء وقيمة العطاء.. فلا نحرم ضمائرنا من إضاءات جميلة تصون لنا وعاء الوقت.. أجل.. ما أروع أن تكون الإجازة كتاباً مفتوحاً نقرأ في صفحاته عطاءً مشرفاً.. ومشاريع مباركة.. عامرة بالمودة والمحبة والتلاحم الأسري.. وعجبي من فئة ظلت تملأ هذه المساحة.. بممارسات غير مباحة.. عبر هطول صيفي مكبّل بالارتحال.. ومثقل بالانتهاك.. وخرق القيم.. وكسر إطار التقاليد.. والتعدّي على الأخلاق.. هناك من ألفَ الزواج بنية الطلاق.. واستباح أشياء إن لم يردعه دين فعليه أن يدرك آثاراً أخرى كالإيدز وغيره من الأمراض التي ربما جلبوها لمجتمعهم وأسرهم التي هي أمانة في أعناقهم.. فمتى يستيقظ أولئك المهووسون الذين اعتادوا ركوب موجة السفر وامتطاء صهوة الضرر... عذراً.. لقد ظل السفر دائرة.. حائرة.. في الأذهان المسافرة.. وإن أنس فلا أنس استعداداً فضائياً هائلاً تقوم به القنوات الفضائية لتلبية احتياجات الإجازة من خلال حشد سينمائي واستقطاب فني قادر على سحب النفوس
الهائمة.. التي خدّرها الهوى وسرقها الفن... ولا تسلْ عن ثقافة المسخ.. آه من زمن.. تاه فيه الفكر.. واختلّت القيم.. وتعطلت لغة العطاء.. فهل ثمة من
ردود في أن نبكي على اللبن المسكوب؟!
|