لاشك ان للسياحة الوطنية الداخلية أبعاداً اجتماعية واقتصادية مهمة واساسية، فعلى الصعيد الاقتصادي نعلم ان سفر المواطنين الى الخارج للسياحة وبأعداد كبيرة خاصة في فصل الصيف يشكل استنزافاً اقتصادياً كبيراً للثروة الوطنية، خاصة اذا علمنا ان هذا السلوك السياحي الخارجي يتم بشكل عشوائي وغير منظم لا في الصرف المالي ولا في برنامج الرحلة السياحية مما يضاعف المتاعب المالية والنفسية والاجتماعية لهؤلاء السياح الذين غالباً ماينصدمون بمواقف لم تخطر لهم على بال، اضافة لتعرضهم لاستجلاب سلوكيات وافكار سيئة خاصة اذا لم يكن متحصناً بوازع ديني ووعي حضاري يقيه من التأثر السلبي من مثل هذه المكونات السلوكية والفكرية السيئة، ومع اشتداد وتيرة الهواجس الامنية لدى الغرب تجاه كل ماهو اسلامي وعربي فان الكثير ستضيق دائرة الاختيار لديه الى اي بلد يتجه لقضاء اجازته، ولأنه يفترض ان السياحة ليست هدفاً بحد ذاتها من اجل المتعة والترفيه البحت فقط، فإنه ينبغي ان يتم دعم حملة للتثقيف السياحي حتى يكون جامعاً للمتعة واكتساب معارف واكتشاف عجائب جديدة، اضافة الى ارتباط الانسان المسلم وتميزه بأنه ذو عقل متدبر وفكر معتبر، وقد مدح الله سبحانه المؤمن الذي يتفكر في ملكوت الله ومخلوقاته وعد ذلك من افضل العبادات، لما فيه من تقوية الايمان واليقين، ان كثيراً من مرتادي السياحة الخارجية تغيب عنهم هذه المعاني، بل ان بعضهم وللاسف يبيت النية السيئة في الولوغ في سلوكيات وافعال تنافي ما يحمله من اسلام حتى انه يسيء الى دينه ووطنه من حيث لا يعلم وقد تتحول رحلته من جراء هذه السلوكيات الى رحلة عذاب ومتاعب، كونه بالضرورة اذا سلك هذه المسالك سيتعامل مع اسوأ فئة في تلك البلاد من المجرمين والمنحرفين الذين لن يألوا جهداً في الايقاع به واستغلاله، وكم من القصص المؤلمة التي وقعت، لكن اين المعتبر؟ لذا فإن السياحة الداخلية تشكل هدفاً استراتيجياً ينبغي ان يحظى بالاهتمام الموازي لأهميته حتى يحقق اهدافه المرجوة في هذا السياق ولكي يكون هذا المقال واقعياً و عملياً اسجل بعض الملاحظات والمقترحات التي احسب انها ستساهم بإذن الله في تطوير وسائل الجذب السياحي الوطني بما يحقق الاهداف الاجتماعية والاقتصادية منه:
أولاً: ينبغي ان يدرك القائمون على مرفق السياحة انه ولكي تنجح المشاريع السياحية الداخلية ينبغي لها ان تلبي احتياجات جميع فئات المجتمع وطبقاته من الناحيتين الاجتماعية والمادية، فمن الناحية الاجتماعية ينبغي ان تراعي الخصوصية التي تتميز بها الاسرة في هذا المجتمع المحافظ البعيد عن الاختلاط والتبرج في هذه البلاد الكريمة بما يديم تميزنا واعتزازنا بقيمنا الحميدة، وذلك بأن تصمم البرامج السياحية آخذة بعين الاعتبار ان شريحة كبيرة من المجتمع ستجنبها اذا لم تلب هذه الجوانب، واذا لم نراع ذلك فإننا سنحرم قطاعاً عريضاً من المجتمع من الاستفادة من هذه المرافق وكما هو الحال في كثير من الحدائق العامة وبعض الشواطئ والكورنيشات المفتوحة والمصممة بشكل لا يراعي الاعتبارات المذكورة مما جعل المستفيد الاول منها الجاليات الاجنبية ومن على شاكلتهم، ومع وجود العديد من المشاريع السياحية التي تلبي ذلك ولو بشكل جزئي الا ان التوسع في هذه المشاريع وفي جميع مناطق المملكة يتطلب اخذه في الاعتبار استشرافاً للمستقبل وتفادياً لأي تعديلات قد يتطلبها الموقف وتكلف الكثير، اما من الناحية المادية فيجب الا يكون هدف المشاريع والمرافق السياحية الوحيد هو الربح المادي الفاحش، اذ المشاهد المبالغة في رفع الاسعار على رسوم الدخول والالعاب، اضافة الى ارتفاع اسعار الاقامة في الشاليهات والمساكن السياحية بشكل لايقارن بما هو عليه الحال في الخارج.
ينبغي ان يكون لدى القائمين على هذه المشاريع حس وطني مسؤول، ونحن اذ نطالبهم بذلك لا نحلم بأن يكون ذلك مجاناً، بل بأن يكون هامش الربح وهو متحقق لهم معقولاً مقدرين مايبذلونه من تكاليف وجهود، لكن المشكلة ان المستثمرين لدينا تعودوا على الارباح الطائلة من وراء مثل هذه المشاريع وعلى حساب المواطن الذي يريد ان يلبي مطالب اسرته في الترفيه مهما كلفه ذلك، ومع عدم وجود اي استقطاعات ورسوم تؤخذ من دخل هذه المرافق السياحية فإنه ينبغي ان تتدخل الجهات المختصة لإعادة النظر في اسعارها واسعار الخدمات المقدمة من خلالها من مأكولات والعاب وسلع اخرى حتى يتحقق الجذب السياحي المطلوب.
ثانياً: الملاحظ ان بعض الناس وخاصة ممن الف السفر الى الخارج للسياحة يتصور ان السياحة ينبغي ان تقترن بشيء من التحرر من كثير من الضوابط الشرعية والاجتماعية، والا شعر بالحرمان وعدم تحقق المتعة الكاملة، ولو ان مثل هؤلاء استشعروا الاهداف والغايات السامية من السياحة في الترويح عن النفس في الدائرة الواسعة من المباحات لتحقق لهم تفاعل ايجابي ومفيد يجلب لهم ولاسرهم الواناً من المتعة المقرونة بالاستقرار الروحي والرضا المعنوي بارتباط مايفعلونه بالتعبد حينما تكون جميع اعمالنا مرتبطة في حياتنا بالاطر الاسلامية الحقة.
ثالثاً: لقد ساد لدى الكثيرين ان حجم الدعاية للمرافق السياحية الداخلية اكبر من الواقع وهذا انطباع صادق في جوانب كبيرة منه فلا يخفى انك حينما تسافر الى مناطق سياحية خارج المدن الرئيسية تجد انعدام الخدمات الاساسية للسياح من المياه والمطاعم والمحلات التجارية الغذائية وبعض الخدمات الضرورية، ولأن اكثر مناطق السياحة لدينا موسمية فإن ذلك يجعل المستثمرين يعزفون عن انشاء مرافق خدمية طوال السنة، وهذا الامر يحتاج الى دراسة حتى يتم معالجته، والدليل على ما اقول فإن من يخرج الى شاطئ نصف القمر بالخبر عندما يحتاج الى اغراض تموينية او طعام من المطعم يلزمه العودة الى الخبز لأخذ مايريد او اللجوء الى الباعة الجوالي بأسعارهم المرتفعة وبضاعتهم الرديئة، او إلى جوالين المطاعم الذين يحتاج طلبك لساعات حتى يحضروه من المطاعم بالخبز وتكتشف بعد انصرافهم انه بارد ويفتقر لادنى الشروط الصحية للحفظ والتخزين، كل ذلك يحتاج لإعادة نظر ومتابعة حتى تكون السياحة الداخلية ذات جذب واستقطاب لجميع فئات المجتمع.
رابعاً: تعاني فئة من المجتمع خاصة في مثل هذه المرافق السياحية من الافتقار الى ادب السلوك في احترام مشاعر وخصوصيات الآخرين وحسن التعامل مع الآخر، خاصة من قبل بعض الشباب المنفلتين من كل عقال قيمي او اجتماعي مما يجعلهم يقومون بسلوكيات وافعال تمثل اعتداء صارخاً على حقوق الآخرين وان لم تصل الى الاعتداء المادي فإنها تشكل مضايقة حادة تعكر على السائح مطلبه في الهدوء والراحة وقد يتحول بعضها الى شجار وخصومة لاتحمد عقباها تجعل السائح ينفر من هذه المرافق طلباً للسلامة من مثل هذه المواقف، مما يستدعي التصدي بحزم لمثل هذه الممارسات ومنعها، وهناك اماكن سياحية نائية تتطلب حضوراً امنياً مستمراً لحفظ الامن وحماية السياح من اي مضايقات او افعال اجرامية لامسؤولة.
خامساً: يلاحظ ان المؤسسات السياحية خاصة مكاتب الخطوط الخاصة تعلن عن برامج سياحية خارجية من خلال مغريات في الاسعار وكثرة الاماكن التي يشملها البرنامج السياحي وعلى الرغم من ان التجربة مع مثل هذه البرامج اثبتت مبالغتها ومخالفتها للواقع كونها لاتتعدى ان تكون من دعايات الكسب والاستغلال اكثر منها تقديم خدمة سياحية حقيقية للمواطن، فإنها في ذات الوقت تمعن في الصد عن السياحة الداخلية، ولذا فإنه ينبغي حث مثل هذه المكاتب والمؤسسات على اعداد برامج سياحية متنوعة داخلية بالتنسيق مع المرافق والمؤسسات السياحية المختلفة لتقديم خدمات سياحية داخلية منظمة وبأسعار معقولة تلبي رغبات جميع المستويات والفئات مع تغطيتها اعلامياً ومتابعة التزامها بتقديم كامل البرامج التي وعدت بها ومجازاة المخالف او المقصر، وحيث ان الملاحظ ان البرامج السياحية «ان صحت التسمية لها» البارزة هي البرامج التي تقدمها حملات الحج والعمرة وقد نجحت في تيسير قضاء المواطنين لهذه الشعائر بصورة فريدة حققت لهم الراحة والقدرة على اداء مناسكهم بطريقة صحيحة عن طريق مايمكن تسميته مرشدي المناسك، فلو تم تطوير هذه الخدمة لتشمل برامج سياحية ترفيهية مناسبة سواء كانت مقترنة بهذه الرحلة التعبدية او منفردة لحققت نجاحات ووسائل جذب مناسبة خاصة ان كثيراً من المواطنين يجمع بين الذهاب الى الاماكن المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة والمرور على الاماكن السياحية في رحلة متميزة تجمع بين الترويح عن الروح والجسد بشكل فريد لايمكن الحصول عليه الا في هذه البلاد المباركة، والله الموفق.
(*) ص.ب 31886 الرياض 11418 - فاكس 4272675
|