شملت المملكة نهضة زراعية كبيرة.. غرست آلاف النخيل وآلاف الأشجار المنتجة والمظلة والملطفة للأجواء. وبدأت المنتجات الوطنية ذات الجودة المميزة تقدم للمستهلك. وساهمت هذه النهضة الزراعية في الانتاج الاقتصادي. ومع ذلك فإن المزارع وخاصة قليل الأنتاج ومتوسطة والمستهلك الأخير متضررون من الوضع السائد كما أن الاقتصاد الوطني يمكن ان يستفيد أكثر من استفادته الحالية. وذلك لأن الإنتاج موسمي حيث إن المزارع ينتج كل محصول في موسمه إذا ما استثنى منتجات البيوت المحمية وهي قليلة. وبذلك يكون الانتاج وفيراً ويأتي من كل جهة ومن كل صوب. هنا يكون المعروض من المنتجات أكثر بكثير من الحاجة. يضاف إلى ذلك قيام المزارع بجميع العمليات من امتلاك الأرض واصلاحها والزراعة ومتابعة المحصول ثم قطفة ونقله إلى السوق وتسويقه إلى تجار السوق. وقيام المزارع بكل ذلك يزيد من تكاليفه ومشاغله. كما ان انعدام وسائل التخزين والتعليب والتصدير لدى المزارع واستحالة ذلك من قبل كل مزارع بمفرده يجعل المزارع مضطرا إلى بيع محصوله في وقت قصير وبأي ثمن. هذا الوضع الصعب للمزارع أتاح لوسطاء السوق استغلال ظروف تلك المزارع وشراء إنتاجه بأبخس الأثمان وفي أحيان كثيرة بأقل من أجرة السيارة التي نقلت البضاعة إلى السوق. ثم استغلال المستهلك ببيعها عليه بأثمان عالية. وبذلك يكون المزارع متضرراً والمستهلك مستغلاً والمستفيد هم وسطاء السوق. ومع خسارة المزارع واستغلال المستهلك فإن الاقتصاد الوطني يتضرر بشكل كبير وذلك لعدم الاستفادة من الانتاج في مواسم أخرى وفي الصناعات التحويلية أو تصديره إلى أسواق يكون الطلب فيها أكبر من المعروض وخاصة الأسواق الخليجية والعربية والدولية. ولمعالجة هذه السلبيات طرحت فكرة إنشاء شركة عامة لتسويق المنتجات الزراعية وقد ذكر أن رأسمال هذه الشركة في حدود خمسمائة مليون ريال وقد تعذر تأسيس هذه الشركة وفي نظري أن أسباب فشل ذلك هو ما يلي:
1 ضخامة رأس مال الشركة حيث إن المبلغ كبير ولن يكون العائد بحجم الاستثمار. بحساب بسيط يجب ان تربح الشركة سنوياً ما لايقل عن خمسة وعشرين مليون ريال وهذا صعب المنال على الأقل في السنوات الأولى للشركة.
2 التجارب الفاشلة لكثير من الشركات الزراعية. حيث نطالع في الصحف نتائج أعمال هذه الشركات وما تظهره من خسائر.. وقد تعود سوقنا المالي والاقتصادي على المقارنة والتشبيه أكثر من تحليل الأسباب والنتائج. فإذا ما نجح مشروع معين تسابق الجميع إلى إنشاء أقرانه حتى يفشلوه، ويفشلون معه وإذا ما خسر مشروع أقلعنا عنه دون أن نعرف أسباب ذلك وهل يمكن تجنب تلك الأسباب؟!.
3 الإصرار على أن نبدأ كباراً على عكس طبيعة الخلق. فكل شيء يبدأ صغيراً وينمو مع الزمن. أما في مثل هذه المشاريع فنبدأ كباراً وبجيوب وحسابات مليئة بملايين الريالات ويكون هم الإدارة إنفاقها وتفريغها. بدلاً من أن نبدأ صغاراً بمبلغ محدود يسيِّر الأمور ويجبر الإدارة على العمل الجاد لكي تثبت جدارتها وكفاءتها في تنمية رأس مال الشركة. وفي نظري أن تلك علة وسبب فشل كثير من الشركات.
4 الإصرار على أن تقوم الشركة نفسها وبواسطة موظفيها وممتلكاتها بالعملية من أولها إلى آخرها. وذلك يفقد العمل التخصص. ويزيد من التكاليف الثابتة على الشركة وبالتالي يقلل الأرباح أو يزيد الخسائر.
وباستعراض عملية التسويق للمنتجات الزراعية نجد أنها تبدأ بنقل المزارع لانتاجه قلَّ أو كثر وسواء كان قريباً من أسواق المستهلكين أو بعيداً إلى السوق. لبيع ذلك الانتاج إلى الوسطاء وفي حالات قليلة إلى المستهلكين. وهناك غالباً ما يباع الانتاج في حينه وما يتعذر بيعه يتم رميه بعد فساده والقليل منه يخزن. وبمعنى آخر فإن العملية مكونة من شراء ونقل وتخزين وبيع. كل طرف يقوم بعمله بمعزل عن الآخر مما يرفع التكاليف ويعظم الخسائر. ولكي نوجد التنسيق اللازم ونمنع الخسائر ونحقق أرباحاً للجميع فإن الأمر يتطلب في نظري نهج أسلوب جديد لشركة التسويق الزراعي. وأقترح أن تميل الشركة إلى إشراك أكبر عدد ممكن من رجال الأعمال في مختلف المناطق في تنفيذ أعمالها وذلك بصفة مستقلة وحسب مواصفات وعقود محددة. ويمكن اتباع الخطوات التالية:
1 تحديد رأس مال الشركة فيما لا يزيد عن خمسين مليون ريال، تفتح المساهمة فيه للقطاع الخاص.
2 إنشاء إدارة رئيسية للشركة في المحافظات الكبيرة في المملكة ولنبدأ بالرياض وجدة والدمام وأبها ثم تتوسع الشركة بعد ذلك حسب الظروف.
3 تقوم الشركة بحصر أنواع المنتجات التي تنتج في مختلف مناطق المملكة مع ترك كبار المنتجين والتركيز على صغار ومتوسطي المنتجين في البداية وتحديد أنواع تلك المنتجات وفئاتها وكمياتها وتحديد أسعار شراء لها من المزارعين في مواقعهم.
4 إعداد مواصفات لسيارات نقل في مختلف المناطق التي بها أنتاج يستحق ان ينقل. وتحدد هذه المواصفات أنواع وحجم السيارات المطلوبة بحيث تحددها الحاجة عدداً وفئة ونوع تبريد أو تهوية. وطرح هذه المواصفات لرجال الأعمال وتكون الأولوية لكل أبناء منطقة في منطقتهم. ويمكن أن ترسى على عدد من المقاولين حسب المناطق وفروع المناطق بحيث تحصل الشركة على أسعار منافسة وتشرك أكبر عدد ممكن من رجال الأعمال أو المختصين في النقل.
5 - إعداد مواصفات لمستودعات تخزين في المناطق التي بها انتاج يستحق أن يخزن من حيث الكمية، وذلك بتحديد المساحات ودرجات التهوية والتبريد. وتطرح ذلك لرجال الأعمال في المملكة وتكون الأولوية لأبناء كل منطقة. وعليهم تدبير الأراضي والبناء والطاقة والحراسات. وتبقى المنتجات في عهدتهم ومسؤوليتهم إلى حين استلامها من قبل مستودعات الشركة الرئيسية أو تسليمها للأسواق المحلية حسب خطة عمل الشركة.
6 يقوم مقاول النقل بالمرور في أوقات محددة على كل مزارع تتعاقد معه الشركة لشراء منتجاته ويكون برفقة ميزان لكي يستلم المحصول منه في مزرعته ويسلمه ايصالاً يوضح أنواع المنتجات وفئاتها وكمياتها.
7 - يقوم مقاول النقل الرئيسي بتسلم المنتجات التي يستلمها من المزارعين إلى مقاول التخزين ويحصل منه على سندات استلام بالمنتجات المسلمة وكمياتها وأنواعها وفئاتها.
8 تقوم إدارة الشركة بمتابعة المحاصيل المستلمة وما يصرف منها للأسواق المحلية في المناطق وما يحال منها للمستودعات الرئيسية للشركة وتطابق كل ذلك بإيصالات المزارعين والناقلين والمخزنين ويمكن أن يكون هناك برنامج حاسب آلي يربط كل ذلك بشبكة موحدة ويقوم بعمليات المقارنة والمطابقة وإخراج السجلات أولا بأول.
9 - تحدد الشركة الأسعار المعقولة للبيع النهائي للمستهلك وتترك هامشاً للربح للموزعين النهائيين بحيث تضمن عدم استغلال المستهلك. كما يمكن أن تنسق ذلك مع الجمارك فيما يتعلق باستيراد المواد الأجنبية المنافسة وتحدد ما يحتاجه السوق منها بعد معرفة المنتج الوطني.
إن الشركة بهذه الطريقة توفر مبلغ النقل الذي يتحمله كل مزارع لإيصال إنتاجه إلى السوق. كما أنها توفر الكميات التي تفسد في السوق أو لدى المزارع أو لدى البائع لعدم تصريفها وبيعها بحيث يصرف من المخازن ما يحتاجه السوق والباقي يخزن في أماكن تحافظ عليه. كما أن إشراك أبناء كل منطقة بالنقل والتخزين سوف يخفض تكلفة وجهود الشركة ويساهم ذلك في سعودة الجهود وتشغيل أبناء الوطن في أماكن تواجدهم. كما أن هذه الطريقة ستخلق ولاء كبير للشركة بحيث يعتبرها الجميع شركتهم.
مع مرور فترة التأسيس وسير عجلة عمل الشركة وتذليل الصعوبات التي ستواجهها عند التنفيذ وبعد معرفة الكميات التي لا يستهلكها السوق في موسمها أو إعراض المستهلكين عن شرائها. يمكن للشركة إما أن تصدر ذلك الزائد إلى الدول المجاورة أو تصنيعها. وعملية التصنيع هذه عملية مستقلة يمكن أن تتم بالتعاقد مع رجال أعمال لأداء هذه المهمة أو تقوم بها الشركة في مراحل لاحقة.
خلاصة القول أن شركة التسويق الزراعي ضرورة ملحة ولكن يجب ان تبدأ صغيرة وتستعين بأكبر عدد من المواطنين ورجال الأعمال في أداء مهامها وواجباتها.
(*) عضو مجلس الشورى
|