بهدوءٍ وصمتٍ يُترجمُ المخلصون ما يجيش بوجدانهم من حب للخير، وما يعمرُ قلوبهم من إيمان، إلى إنجازاتٍ خيّرةٍ عظيمةٍ ينتفعُ بها الآخرون. وأمام هؤلاء المخلصين، وأمام مواقفهم الإنسانية النبيلة، يشعر المرء بقدر كبير من الانبهار والسعادة، ينبهر بعظمة الإنجاز! ويسعدُ وهو يتأمل الخيرات المذهلة الناتجة عن ذلك الإنجاز! ويتأجج في داخله انبهاراً وسعادة إذا كان هو نفسه مُنتفِعاً بتلك الخيرات!.
والإشارة هنا إلى واحد فقط، من سلسلة إنجازات عظيمة، ضمن رسالة خالدة تواصل المملكة العربية السعودية القيام بها تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، رسالة شامخة بدأها الزعيم الراحل؛ عبقرية هذا العصر، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه وواصل أبناؤه السير على دربه، وتجديد رسالته وتطويرها وتأديتها بحبٍ وعزمٍ وإصرارٍ، ولا مجال هنا لذكر عطاءاتهم أو عدّها، فرحم الله الملك سعود، وشهيد القدس الملك فيصل، وجامع الشمل الملك خالد، وأمدّ الله في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وإخوانه الأماجد، وأيدهم بنصره.
ذلك الإنجاز هو احتضان فرع «جامعة القدس المفتوحة» ورعايته وتقديم كل التسهيلات اللازمة له كأول جامعة مفتوحة تُنشأ هنا في المملكة العربية السعودية، والفرع عبارة عن مركزين؛ الأول بدأ فعلاً في مدينة الرياض منذ فبراير 2002م، والثاني سيبدأ قريباً بمشيئة الله في مدينة جدة، ولقد بارك الله في هذا الفرع إذ يسّرَ له البطانة الصالحة من ذوي العلم والخبرة يتقدمهم المربي الفاضل الأستاذ الدكتور تيسير الكيلاني؛ المدير العام للفرع، الذي عمل - ومعه رفاقه - الليل مع النهار حتى وصل الفرع إلى ما هو عليه الآن، ومازالت الجهود تُبذل، فالأعباء كبيرة والمتطلبات كذلك، وأعتقد جازماً أن الأمر يستلزم وقفة مؤازرة وعون وتعضيد من قبل الغيورين الخيّرين من رجال المال والأعمال وأخص منهم الفلسطينيين وهم كُثُر ولله الحمد، وهذه همسة للبذل والعطاء للتعجيل بإذن الله تعالى في تحقيق الأهداف المنشودة، فالفرع يقدم ثلاثة برامج أكاديمية في ثلاثة حقول تربوية للحصول على درجة البكالوريوس في العلوم أو الآداب. وهذه البرامج هي: أنظمة المعلومات الحاسوبية، والإدارة والريادة، مع مجالات التركيز في: إدارة الأعمال، والاقتصاد، والمحاسبة، والمالية، والإنتاج، والتسويق، وبرنامج التربية الذي يقدم ثلاثة تخصصات هي: اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، وهناك نوايا للتوسع في مجال التخصصات والشهادات.
ويتبنّى الفرع أنموذجاً تعليمياً يرتكز على مبادئ التعليم الذاتي، واستقلالية المتعلم، واللقاءات الإشرافية بواقع ثلاث مرات في الأسبوع؛ أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، بحيث يخصص أسبوع للطلاب وآخر للطالبات بالتبادل - والترتيبات تجري حالياً لتصبح اللقاءات الإشرافية طيلة أيام الأسبوع؛ بحيث تخصص أيام السبت والأحد والإثنين للطلاب، وأيام الثلاثاء والأربعاء والخميس للطالبات، أو العكس -. وقد تعززت طريقة التدريس باستخدام مزيج مناسب من الوسائط التعليمية المتعددة، مثل: المواد المطبوعة، والأشرطة السمعية والبصرية، والأقراص المدمجة، وشبكة الإنترانيت، والحواسيب، إضافة إلى اللقاءات الإشرافية المباشرة مع الدارسين. ويوجد لدى الفرع مختبر كمبيوتر يضم (28) جهازاً جميعها مرتبط بشبكة الإنترنت، وذلك بالإضافة إلى الشبكة المحلية (الإنترانيت) التي تقدم خدمات تعليمية للطلبة القاطنين خارج منطقة الرياض، وكل ذلك للوصول إلى تعليم جيد وفعَّال. ويضم الفرع حالياً نحو (700) طالبٍ وطالبة يتلقون الإرشادات والتوجيهات والدروس من قبل (32) مشرفاً أكاديمياً متخصصاً من حملة الدكتوراه. علماً بأن القبول للدراسة يقتصر (فقط) على الفلسطينيين، ويُشترط حصولهم على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، بغض النظر عن العمر والمعدل.
والجدير بالذكر هنا أن /جامعة القدس المفتوحة/ (الأم) رائدة التعليم المفتوح في الوطن العربي، إذ انطلقت فكرة مشروع الجامعة عام 1975م، وفي عام 1980م أُقر المشروع من قبل المؤتمر العام لليونسكو، وفي عام 1981م اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني، وفي عام 1985م كانت الانطلاقة إعداداً وتخطيطاً وإنتاجاً في مقرّ الجامعة المؤقت في عَمَّان، ثم في عام 1991م باشرت الجامعة رسالتها التعليمية في فلسطين. وللجامعة إنجازات كبيرة تشهد بكفاءة الإنسان الفلسطيني وهمّته وإصراره وقدرته، وأخص بالذكر هنا الأستاذ الدكتور يونس عمرو؛ رئيس الجامعة، إذ استطاع أن يطلق أغصان الجامعة لتظلل ليس فقط كل بقاع فلسطين فكّ الله أسرها ، وإنما أيضاً عدداً من كبريات المدن العربية والإسلامية، ومازالت الخطى تتقدم بثقة وثبات نحو تحقيق المزيد من طموحات شعبنا وآماله.
نعم يا خادم الحرمين.. هكذا وبمباركتكم الأبوية الحانية أصبح فرع «جامعة القدس المفتوحة» منارةَ عِلْمٍ فلسطينية تعانق نفحات الإيمان في هذه البلاد الطاهرة، وتحتضن باسمكم أبناءكم الطلاب والطالبات من أبناء الجالية الفلسطينية، وها هم منسوبو الفرع من أعضاء هيئة تدريس وموظفين وطلبة يوجهون أنظارهم إليكم وشعور الشكر والوفاء والامتنان والولاء يملأ وجدانهم تجاهكم، وها هم أولياء أمور الطلبة - وأنا واحد منهم - يقولون من أعماق قلوبهم شكراً لك يا فهد، ويرفعون أكف الضراعة إلى الله العلي القدير أن يحفظكم وإخوانكم وأبناءكم وشعبكم، وأن يديم على هذا البلد أمنه وخيراته.
|