إن طلب العلم الشرعي من منابعه الصحيحة من أعظم القربات إلى الله تعالى، ومن أكبر أسباب صلاح العباد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). ولا صلاح للقلوب إلا بالعلم، علم الوحيين، الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، فهما غيث القلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكان منها بقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، شربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك فضل من فقه في دين اللهونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) رواه البخاري من حديث أبي موسى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم أوتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الرّيّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال (العلم). رواه البخاري من حديث ابن عمر والعلم هو إرث الأنبياء، والعلماء الربانيون أهل السنة هم حملته حفظاً وفهماً وعلماً، ووجودهم بقاء للعلم، وذهابهم ذهاب للعلم.
قال البخاري رحمه الله :(باب كيف يقبض العلم) وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم، انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً، حدثنا العلاء بن عبدالجبار قال حدثنا عبدالعزيز بن مسلم عن عبدالله بن دينار بذلك يعني حديث عمر بن عبدالعزيز إلى قوله:
(ذهاب العلماء..) ثم قال: (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
فالعلماء سرج الأزمنة، فكل عالم يستنير به أهل زمانه، والرحلة إليهم دأب الأولين، وسبيل السلف الصالحين.
وإن زماننا هذا شهد وفاة ثلة من العلماء السلفيين الربانيين، الإمام العلامة المحدث الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، والإمام العلامة المحدث الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني، والإمام العلامة الفقيه الأصولي الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله جميعاً.
وإن وفاتهم كانت ثلمة في الإسلام والسنة، وهذا جعل طلاب العلم يستشعرون عظم الأمانة، والحاجة الماسة للالتفاف حول علمائنا المتبقين، وإلى أهمية نشر العلم بين الناس.
ومن هذا الباب رأينا الحاجة ماسة جداً لربط الناس بالعلماء، وبطلاب العلم السالكين مسلك السلف الصالحين، ولصعوبة الرحلة والجلوس المستمر في حلق العلماء في هذا الزمان بسبب الارتباط الوظيفي والدراسي، ارتأينا إيجاد دورة علمية سنوية مكثفة تكون في الإجازة الصيفية، ولمدة أسبوعين كاملين، يدرّس فيها السنن النبوية والمتون العلمية والعقيدة السلفية، فاستعنا بالله تعالى على ذلك، وتقدمنا بطلب الدورة العلمية الأولى في عام 1422هـ إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ حفظه الله فوافق جزاه الله خيراً، بل حث وشجع على مثل هذه المجالس العلمية، وأنها هي ذات النفع المستمر.
فأصبحت هذه الدورة العلمية السنوية التي تقام في هذا الجامع يحصل فيها الخير العظيم ولله الحمد والمنة، فهي بالإضافة إلى تدريس الكتب العلمية، فإنها يجاب فيها على فتاوى الناس العملية والعلمية، ويوجه فيها الشباب وطلاب العلم إلى سلوك المسلك السلفي، والتمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح وعقيدة أهل السنة والجماعة، وإلى الالتفاف حول العلماء وولاة الأمر، والتحذير من الأفكار المنحرفة، والفرق المبتدعة، والمناهج المستوردة.
وكذلك فإنه يتم نقل الدورات العلمية من محاضرات توجيهية، ودروس علمية وفتاوى فقهية عبر شبكة الإنترنت ليستفيد أبناء المسلمين الذين يصعب عليهم الحضور إلى مقر الدورة، ولتكون منبراً لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، أو ممن انحرفت أفكارهم وعقائدهم من المسلمين.
وإن ما ينبغي أن يذكر ليشكر اهتمام ولاة أمرنا بالعلم والعلماء، وبشأن الدعوة إلى الله عز وجل، فإنه لما كان لمثل هذه الدورات العلمية وجود ولولا الله تعالى ثم تسهيلهم وتشجيعهم لها. ولا غرابة في ذلك (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم). فدولتنا ولله الحمد قامت على التوحيد والسنة والمنهج السلفي الرباني، وهي بحق كما قال أحد أبناء الجزائر في رسالة له (الدولة السلفية الوحيدة في العالم المملكة العربية السعودية، صانها الله تعالى ، وجعلها ذخراً للإسلام والمسلمين).
وأخيراً أقول إن نشر العلم والارتباط بالعلماء، والدعوة إلى المنهج السلفي الرباني هو سبيل الأولين ، ودعوة النبيين، وطريق الفطرة السليمة، وكما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
وأما الطرق المبتدعة، ومسالك الجماعات الحزبية، والتكتلات السرية، والرحلات الخلوية فهي سبيل وخيمة، وشر مستطير ، لم تأت للأمة إلا بالويلات والتفرق والهوان، والشر والفساد والفتن.
فنسأل الله تعالى أن يسلك بنا سبيل السلف الصالحين، وأن يجعلنا هداة مهتدين، مباركين أينما كنا، وأن يجزي الله ولاة أمرنا خير الجزاء، وأن يصلحهم ويصلح بطانتهم، وأن يعز دينه وكتابه وسنة نبيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
عبدالله بن صلفيق الظفيري
المشرف على الدورة العلمية في جامع معاوية بن أبي سفيان في محافظة حفر الباطن
|