شرعنا في الجزء الأول من هذا الموضوع بعرض بعض دلالات وعلامات تعظيم النصوص الشرعية وذلك لبيان مدى أهمية تأصيل ذلك في الشعور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولضيق المقام خصصنا هذا الجزء لاستكمالها وهي:
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «بل يسلّم لأمر الله تعالى وحكمه ممتثلاً بما أمر به سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لم تظهر - فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله على ذلك مزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله - ولا يحمله ذلك على الانسلاخ منه وتركه جملة».
انتهى كلامه رحمه الله تعالى -وقال شارح الطحاوية: «اعلم ان مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به - انها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها بل انقادت وسلمت وأذعنت وما عرفت من الحكمة عرفته وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته ولا جعلت ذلك من شأنها وكان رسولها أعظم عندها من ان تسأله عن ذلك».. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
ومن علامات تعظيم النصوص:
الغضب لله تعالى إذا انتهكت محارمه والتبرم من ذلك ومحاولة التغيير ما استطاع إلى ذلك سبيلا عن عائشة رضي الله عنها قالت «ماخير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان ابعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا ان تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» أخرجه البخاري، فمتى ما كان العبد غيوراً على محارم الله مسارعاً إلى إنكارها واصلاح أهلها كان ذلك دليلاً على تعظيمه للنصوص ومراعاة حدودها وآدابها.
ومن علامات تعظيم النصوص:
ان يكون تقبل العبد لتلك النصوص تعبداً لله تعالى لا رياء ولا سمعة فيكون حزنه لفوات الخير حزناً يريد به وجه الله تعالى - وفرحه لإدراك الخير فرحاً يريد به وجه الله تعالى - عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» اخرجه ابوداود.
ومن علامات تعظيم النصوص:
* وقوله تعالى لنوح عليه السلام لما سأله سبحانه نجاة ابنه {قّالّ يّا نٍوحٍ إنَّهٍ لّيًسّ مٌنً أّهًلٌكّ إنَّهٍ عّمّلِ غّيًرٍ صّالٌحُ فّلا تّسًأّلًنٌ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ إنٌَي أّعٌظٍكّ أّن تّكٍونّ مٌنّ الجّاهٌلٌينّ} *هود: 46* وقوله تعالى عن أهل الكتاب {هّا أّنتٍمً هّؤٍلاءٌ حّاجّجًتٍمً فٌيمّا لّكٍم بٌهٌ عٌلًمِ فّلٌمّ تٍحّاجٍَونّ فٌيمّا لّيًسّ لّكٍم بٌهٌ عٌلًمِ وّاللَّهٍ يّعًلّمٍ وّأّنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ} *آل عمران: 66* ففي الآية الأولى أدب الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأدب عظيم وهو الإمساك عما ليس له به علم وعدم الخوض فيه - وفي الآية الثانية نهى الله نوحاً عن سؤال ما ليس له به علم - وفي الآية الثالثة أنكر الله على أهل الكتاب لمحاجتهم فيما ليس لهم به علم وعد ذلك من جهالاتهم.
وبكل حال فالخوض في معاني النصوص دون دراية أو سؤال من القول على الله بلا علم هذا من الذنب العظيم فضلاً عما يجره من المفاسد من ضلال الآخرين واضلالهم - قال ابن سيرين رحمه الله تعالى «لأن يموت الرجل جاهلاً خيراً له من ان يقول ما لايعلم».
اللهم ارزقنا الانقياد لحكمك والتعظيم لشأنك وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
هيئة محافظة خميس مشيط
|