Friday 4th july,2003 11236العدد الجمعة 4 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرة قصة قصيرة
مظهر
عبدالله الطليان / الخرج

عقارب الساعة تشير إلى الساعة الثامنة والعشرين دقيقة وهو جاد في الخطى في تلهف للوصول إلى المكان، العرق ينزف من وجههه ويزحف إليه الاجهاد والتحفز والتوتر ويكاد يتمكن منه لكن العزيمة والرغبة التي في داخله لم تنهزم أو تستسلم أو يتسرب إليها الضعف.. يضغط بشدة على أعماله التي كان يحملها في يده خوفا عليها من السقوط والبصر يرسل في كل اتجاه والسؤال يغمره من الداخل أين يكمن هذا المكتب، الخطوات صارت كسولة بعد ان رقعت في ممر طويل على جانبيه، غرف منها المغلق والمفتوح تعلوها لوحات مكتوبة بلون الأخضر ويصدر من بعض منها أصوات قهقهة وأحاديث ساذجة تطرق سمعه لا تخرج عن لهاث خلف أمور الحياة يحاول من يقبع فيها ان يطفئ جوها الممل الذي يجلب أحياناً الكآبة انها تمثل سجناً اختيارياً ينغمس فيه الموظف الوحيد كل يوم مدة ست أو سبع ساعات مكيلا بالصمت الا مع دخول أو خروج مراجع تنكسر حدته المقيدة عبر مداعبة الأوراق أو قراءتها والا إذا طوقته الوحدة فانه يفك أسرها فيترك ذلك المكتب للبحث عن كلام يقوض هذا الصمت لكي يحس انه ليس وحيداً.
عاد السؤال يطرق ذهنه بشكل حاد، دفعه الفضول إلى الدخول إلى إحدى الغرف التي كانت فارغة من صاحبها فإذا به أمام مكتب وثير صنع من خشب السنديان الفاخر مساحة شاسعة تعلوها أدوات كثيرة من أوراق إلى تحف بجانبه أشجار وأزهار صورة من جمال عصر المكاتب الحديثة من يكون صاحب هذا المكتب لماذا تركه وهو يبعث على الراحة والهدوء والسكون لايعكره سوى صوت رنين الهاتف الذي ملأ المكان ولكن لا أحد يجيب، خرج وهو في حيرة هل هذا المكتب المقصود، بادر بالسؤال إلى من قابله فقال ليس هذا إنه في الطابق الثاني كيف الوصول إليه أشار عليه بالمصعد من هذا الاتجاه، صعد وهو منهك القوى والتعب لعلني وصلت أخيراً إلى ما أريد مرة أخرى ممر نظيف وأصوات تصدر هنا وهناك كل الموظفين مفرطون في الأناقة صفة تجعلك تشعر في أنهم ديكور يكمل رونقه المكان أو انها من واجبات العمل الذي يتطلب ذلك ويناسب المكتب الذي حلم به وبقي جزء منه ومكمل له.
وأخيراً وصل الطابق الثاني بعد جهد زاد خفقان قلبه وتسرب إليه الارتباك عاد بصره إلى التيه ولكنه في الأخير نظر إلى لوحة مكتوب عليها مسؤول القسم وأخيراً وصل مبتغاه وهدفه اقترب رويدا رويدا ثم دلف إلى الداخل ليجد نفسه أمام المسؤول كان المكتب يفتقد إلى الترتيب والنظام مع انه عنوان الجمال في المبنى قدم التحية ثم عرض أعماله الفنية وارسل بصره إلى إحدى الزوايا ليجد ان هناك عدداً من الأعمال وضعت بشكل عشوائي بعضها فوق بعض، نظر المسؤول إلى أحد أعماله وقال إنها تشبه أحد أعمال الفنان (جيكاسو) فقال عفوا قلت ماذا (قلت جيكاسو) تبسم قليلا قال حقا وفي داخله راحت علامات التعجب تعصف به وغادر وهو يردد في نفسه قول الشاعر:


لايعجبنك أثوابٌ على رجلٍ
دع عنك اثوابَه وانظر إلى الأدبِ
فالعودُ لو لم تفح منه روائحُهُ
لم يفرق الناسُ بين العودِ والحطبِ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved