Friday 4th july,2003 11236العدد الجمعة 4 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بصراحة بصراحة
خلف القضبان الأمريكية
لبنى وجدي الطحلاوي

كثيرون هم من يعشقون المثاليات وكثيرون هم من يدعون المثالية ويتغنون بها أيضاً، ولكن المشكلة الكبرى في ان من يدعون ذلك هم أبعد مايكونون عن المثالية، فهناك من الحقائق والوثائق ما لايحصى ولايعد لإدانتهم، ولكن المشكلة الأكبر هي من يمكن ان يدينهم؟؟؟ فلقد نصبوا أنفسهم القاضي والجلاد معا على العالم....
إن العالم أجمع يشاهد الآن تجاوزات للشرعية الدولية وتعدياً على سيادة الدول على أراضيها وتعديا على حقوق الإنسان وعلى الحريات، وتجاوزات في حق العدل والإنصاف لأهم القضايا الدولية في العالم والتي يؤدي تجاهلها إلى أكبر الكوارث الإنسانية...
لم أستغرب وأنا أتصفح التقارير الرسمية التي أذاعها مكتب الاحصائيات القضائية الأمريكية والمدونة بتاريخ اغسطس عام 2001م أي قبل أحداث 11 سبتمبر بشهر واحد.. والتي تقول بأن عدد المساجين في أمريكا بالتحديد والدقة حتى ذلك التاريخ هو (2) مليون و(71) ألف سجين من بينهم (1500) سجين تابع للسلطات الفيدرالية إن هذا الرقم يزيد على تعداد شعب كامل في دولة صغيرة..
وبهذه الاحصائيات فإن من خلف القضبان في السجون الأمريكية يفوقون عدد سجناء (الصين) رغم ان عدد سكان الصين أربعة أضعاف عدد سكان أمريكا.. والصين تحتل المركز الثاني في العالم بعد أمريكا في عدد السجناء فيوجد في سجونها (4 ،1) مليون سجين، ثم تأتي روسيا في المركز الثالث بعدد سجناء (1) مليون سجين.
وبذلك فالتقارير المعلنة تقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية وقبل 11 سبتمبر تسجل سبقا لم يحققه غيرها من دول تفوقها أضعافاً في كثافة السكان.. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ماذا نتوقع الآن بعد أحداث 11 سبتمبر كم تضاعفت تلك الأرقام وكم مليون يقبعون خلف القضبان الأمريكية وكم مشتبه به وكم مظلوم بينهم؟؟؟
تكفي مأساة معتقل جوانتنامو كمثال أمام العالم فكل يوم يمر يكشف عن مدى الظلم والتجاوزات الأمريكية، إن بين هؤلاء المساجين أطفالا تحت السن القانونية بعضهم لم يتجاوز الرابعة عشرة والخامسة عشرة، ولا توجد تهم محددة موجهة إليهم ولا أدلة اتهام ولا يحاكمون وبعض الذين أفرج عنهم بعد قضاء عامين اكتشف ان بينهم مسنين فوق التسعين في العمر. كما اكتشف ان أحدهم معاق عقليا منذ الطفولة... ألم يكتشف أحد ان هذا المسن متخلف عقليا طوال العامين.. فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى فداحة الظلم فلم يتحدث إليه أحد ولم يستجوبه أحد وإلا كان قد اكتشف أمر هذا المريض العقلي مبكرا وفك أسره. وكم من المفاجآت سنسمع ونرى من باقي القابعين وراء القضبان الأمريكية في جوانتنامو وغيرها من السجون الأمريكية ومن يسترد كرامة هؤلاء ومن يسترد حقوق هؤلاء الذين أفرج عنهم وظلوا لسنوات في تلك السجون يعانون الذل والقهر ظلما وبهتانا؟؟؟
إننا أمام دولة مساحتها تفوق تسعة ملايين كيلو متر مربع، من المحيط إلى المحيط ومن كندا إلى المكسيك، بها حوالي (275) مليون نسمة ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة من المفترض أنهم يعيشون في رغد من العيش والاحصائيات تقول أيضا بأن متوسط دخل الفرد في أمريكا (31) ألف دولار سنويا ومتوسط عمر الذكور (74) عاما ومتوسط عمر الإناث (80) عاماً فنحن إذا لسنا أمام شعب فقير دفعه العوز للجريمة والعنف.. فبماذا إذا نفسر الارتفاع الرهيب في معدلات العنف والجريمة والارتفاع الرهيب في عدد السجناء لديها؟؟؟
إذا نحن لابد ان نقر بأننا لسنا أمام مجتمع مثالي فدولة الهند التي يبلغ عدد سكانها (844) مليون نسمة أي تفوق أمريكا في عدد السكان بأربع أضعاف تقريبا وتعد من أفقر دول العالم لم تسجل تلك المعدلات في العنف والجريمة ولا يوجد لديها هذا العدد من السجناء.
إن الخطب الرنانة والدعائية من الرؤساء والمسؤولين غير كافية لإضفاء المثالية... فهناك الاحصائيات الرسمية الموثقة من داخل تلك الدول هي خير من يتكلم ويثبت حقيقة ومصداقية ذلك..
ويقول مكتب الاحصائيات القضائية بأمريكا ان الزنوج (السود) في الولايات المتحدة يمثلون (12%) فقط من السكان، ونسبتهم داخل السجون الأمريكية 46% ممن نالوا أحكاما طويلة، فهناك واحد من كل عشرة اشخاص سود يدخل السجن أي بنسبة 10% في مقابل (1 ،1%) من البيض، فهل نقول ان السود أكثر عنفا وأكثر ارتكابا للجريمة أم هو انحياز القاضي والمحقق عندما يكون المتهم أسود؟، وهل حصل السود على حقوقهم وفرصهم في العمل والترقي بإلغاء القوانين العنصرية في الستينات من القرن الماضي أم مازالت بعض مظاهر العنصرية في الحياة اليومية قائمة؟ فالواقع والاحصائيات الرسمية الأمريكية تقول وبشكل صارخ ان السود هم الأقل دخلا والأكثر فقرا في أمريكا.. إلى يومنا هذا...
إننا أمام مجتمع يعيش ويمارس التفرقة ليس فقط بين البيض والسود بل مع كافة الأجناس المختلفة حتى الذين يحملون الجنسية الأمريكية ويتمتعون بالمواطنة، وأمام مجتمع يسود فيه العنف والجريمة حتى بين أطفال المدارس فنسمع عن أطفال في المجتمع الأمريكي يرتكبون جريمة منظمة مع سابق إصرار وتصميم ويقومون بقتل زملائهم في المدرسة وبطريقة محترفة وأمام مجتمع يتم فيه مشاهدة الجريمة والقتل بدم بارد وتمر كحادث عادي وروتيني..
إن الإعلام والسينما الأمريكية أفضل من يقدم ثقافة العنف والجريمة للأطفال وللمراهقين وللكبار أيضا، وهي المادة الأساسية التي تبنى عليها الرواية في أغلب الأفلام الأمريكية وهي الأكثر انتشارا ورواجا في أمريكا وهي أكثر ما يقبل على مشاهدته الشعب الأمريكي، إن ثقافة العنف والجريمة جزء لايتجزأ من ثقافة الشعب الأمريكي، والاحصائيات القضائية الأمريكية تؤكد على أننا أمام مجتمع أبعد مايكون عن المثالية وأننا أمام مجتمع يقبض على الحرية وينتهك الخصوصية ويصادر حقوق الإنسان في صرامة.. ويتصادم مع الآخر ولايحترم خصوصيته ويرفض كل ما لا يتطابق مع ثقافته، ويسحق كل مايتعارض مع مصالحه.. ان هذا الواقع لايدل على أي من تلك المثاليات التي يدعونها هؤلاء من يتحدثون عن أنفسهم كأنهم فوق البشر ومعصومين من كل خطأ، ومكلفين بمحاربة قوى الشر في العالم...

فاكس 6066701-02 - ص.ب 4584 جدة 21421

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved