Friday 4th july,2003 11236العدد الجمعة 4 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الشباب والأفكار الخاطئة (1 / 2) الشباب والأفكار الخاطئة (1 / 2)
د. محمد بن سعد الشويعر

الشباب أمانة في أعناق أولياء أمورهم، كما أنهم الجوهرة في جيد الأمة، إذا وجّهوا التوجيه السليم، وأدبّوا الآداب التي أدّب بها الإسلام أبناءه منذ أشرقت أنوار هذا الدين من بطحاء مكة.. بالرسالة الخالدة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، صافية نقية، فأخرج الله بها الناس من ظلمات الجهل، إلى نور الهداية والحقّ، وتربى عليها جيل الشباب الأول، فكانوا خير من حمل الرسالة.
وهذه الولاية، تتحدّد حسب مراحل نموّه، ومعرفته للحياة.. حيث ينمو مع جسمه نموّ فكريّ.. تتضح معالمه، بحسن ما يتلقى في مخّه من مادّة ترسخ فيه إيجاباً أو سلباً.
يقول بعض التربويين: إن ذهن الإنسان، وهو موضع الاستيعاب عنده، كالإناء الفارغ، يتأثر بما يوضع فيه.. فإن كان منذ الصغر، قد حرص من يرعى شؤون هذا الشاب، بألا يضع فيه إلا شيئاً نافعاً: فكراً وعلماً وتربية.. استمرّ أثره في حياة ذلك الشاب بفكر ناضج وسليم.
أما إذا أهمل من يرعى شؤونه الرقابة، وأضاع أمانة الله التي استرعاه إياها، فترك هذا الوعاء لمن يضع فيه ما غثّ من الفكر، وما ساء من التعليم، فإنه يجني على نفسه كوليّ، لأنه لن يحصد إلا ما بذر، وكل إناء بما فيه ينضح.
وتوجيه الشباب عن الأفكار الخاطئة، والاهتمام بتعليمهم التعليم السليم، لا يكون وليد ساعة، أو يتكوّن بين عشية وضحاها.. حتى إذا تخطَّفت الأيدي الآثمة، ذلك الشاب، في سعي حثيث لجذبه لمنحدر يضرّ بالأمة، ويسيء إلى من حوله.. ندم ذلك الذي تحمل الولاية، ولات ساعة مندم.
إن الإسلام، الذي جعله الله ديناً كاملاً، وصالحا ومصلحاً لكل مجتمع، وبأيّ بيئة، قد وضعت تعاليمه معالم على الطريق السويّ للتربية، ورسمت أسساً لرعاية البراعم منذ حداثتها، يتسلّح بها الولي في حصانة يحمي الله بها النفس والمجتمع من الانحراف، أو السير في طريق الفساد والإفساد، إذا طبَّقها.
- يقرل عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختاروا لنطفكم فإن العرق دسّاس.. هذا فيما يتعلق بالبحث عن شريكة الحياة، لما للوراثة والبيئة، التي يعيش فيها الطفل ويترعرع نما ء عقله، من دور في تكوينه، وللانعكاسات التي يتأثر بها في فهمه، ووعيه لما حوله، وما سوف يأخذه: طبعاً أو تطبّعاً. من محيطه الصغير، الذي ارتضع المؤثرات الأولى التي ستسير معه: نمواً وفهماً في مراحل حياته.. فالعِرق: وهو المنبت العائلي مؤثّر ودسّاس: طيباً ينفع.. أو رداءة تضرّ.
فالأبوان: لهما دور كبير، في اختيار حسن المنبت، والأرض الخصبة، لإنتاجهما، ومن ثم اهتمامهما برعايته وحسن توجيهه، وتنمية فكره، وفق ما يهتم به الإسلام، كما جاء في هذا النصّ الكريم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه» لأنهما إذا أضاعا الرقابة والمتابعة لأولادهما، تخطفتهما الأيدي الآثمة، واستسلما لقيادة الأعداء.
فيقول المصطفى الكريم عليه الصلاة والسلام، في توجيه عميق الدلالة، «تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». وما ذلك إلا أن الدين كلّه خير، ولا يأمر إلا بخير، وأثره يبين في الأولاد: فكراً وحصانة، وتربية وقواماً في الأخلاق واعتدالاً في المنهج، ومحافظة على كل أمر نافع ومفيد.
إن صاحبة الدين، تعين زوجها، وتوجّه أبناءها، منذ حداثة أعمارهم، لما تدعو إليه تعاليم الإسلام، وتتعاون مع زوجها في استقامة أبنائها على ما تحثّ عليه تعاليم دين الإسلام، من إقامة للشعائر، ومحافظة على العبادات، واستمساكا بالخلق القويم، والتربية النافعة، وتقويم اعوجاج النفس، وفق الأسس التي تحثّ عليها أوامر هذا الدين بمصدريه، أمراً فيما ينفع، وزجراً بالنهي عما يضرّ.
ولحرص تعاليم الإسلام، على حماية الشباب من مخاطر الأفكار السيئة، التي يحرص أعداء الله على تصيّد من يرون لديه ثغرة يمكن النفاذ منها.. فإن هذه التعاليم تسير مع النموّ العقلي والجسماني، لتكون سياجاً يحمي الله بها هذه الجوهرة الغالية، من الابتذال والتسلّط، فيقول صلى الله عليه وسلم في أسلوب تربوي وتعليمي: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع». حديث صحيح رواه البخاري ومسلم، فالكلام التوجيهي له مجاله، والضرب على الأوامر الحسنة له مجاله.
* وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».. وجاء عنها: بأن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليس بمؤمن..
إذا كانت هذه الصلاة، التي هي أول ما يسأل عنه العبد بعد وفاته، فإن صلحت صلحت أعماله، وإن فسدت فسدت أعماله كلها، وأصبح من الخاسرين.. إذا كانت هذه الصلاة، بالمكانة الرفيعة في المعتقد والعمل، وذات مسؤولية في الاهتمام وحسن التوجيه والتأديب، من ولاة الأمر لدى الناشئة، منذ تفتح الوعي لديهم، فإنها أيضا تعتبر قاعدة أساسية في سلوك المرء وحسن تعامله، وفي تأدب وحسن أخلاقه وتعامله، لأنها أساس يجب العناية به حتى تستقيم تصرفات الفرد، ويبتعد عن كل عمل مشين فكراً وتقليداً، فتقاس في المعهود على البيوت، وكما قال الشاعر:


والبيت لا يبتنى إلا على عمدٍ
ولا ثبات إذا لم تَقْوَ أركان

من اعتصم ببسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب محاضرة الأبرار لابن عربي قال: روينا من حديث الدنهوري قال: حدثنا إبراهيم بن سهلويه، عن عبدالله بن عبدالوهاب عن نافع، عن ابن عمر قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن، فقال منهم خاتمة سورة البقرة، وقائل: خاتمة بني إسرائيل، وقائل كهيعص وطه، وأكثروا في القول، وفي القوم عمرو بن معدي كرب الزبيدي في ناحية، إذ قال: يا أمير المؤمنين، فأين أنتم من عجيبة بسم الله الرحمن الرحيم؟ فوالله إن بسم الله الرحمن الرحيم لفيها عجيبة من العجب، فاستوى عمر جالساً وكان متكئاً، وكان يعجبه حديث عمرو. فقال له: يا أبا ثور حدثنا بعجيبة بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال: يا أمير المؤمنين، إنه أصابنا في الجاهلية مجاعة شديدة، فاقتحمت بفرسي البرية أطلب شيئاً، فوالله ما أصبت إلا بيض النعام، وإن فرسي لتلتئم من فناء البرية، فبينما أنا كذلك، إذْ رفعت لي خيمة وماشية، فأتيت الخيمة، فإذا بجارية كأحسن البشر، وإذا بفناء الخيمة شيخ متكئ، فقلت لما داخلني من هول الجارية، وألم الجوع، استأسر ثكلتك أمك، فقال: يا هذا إن أردت القرى فأنزل، وإن أردت معونة أعنَّاك، فقلت استأسر ثكلتك أمك. فقال لي: مثل قوله الأول. ونهض نهوض شيخ لا يقدر على القيام. فدنا مني وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم جذبني إليه فإذا أنا تحته وهو فوقي.. فقال: أأقتلك أم أخلّي عنك.
فقلت: بل خلّ عني.. وما زلت أصاوله، وهو يغلبني بسم الله الرحمن الرحيم، واطلب منه يخلي عني فقال: بعد أن غلبني مراراً أجزّ ناصيتك، فجزّها فمكثت عنده مدة، وكان يتمثل في كل موقف بهذه الأبيات:


ببسم الله والرحمن فزنا
قديماً والرحيم به قهرنا
وهل تغني جلادة ذي حفاظ
إذا يوماً لمعركة نزلنا
وهل شيء يقوم لذكر ربي
وقدماً بالمسيح هناك عذنا
سأقصم كل ذي جنّ وأنسٍ
إذا يوماً لمعضلة حللنا

قال عمر رضي الله عنه، هذا رجل مؤمن بالله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم (العقد بكاملها ص279-281).

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved