قد يندهش المرء إذا علم أن الفم يعد موطناً لمائتي نوع من أنواع البكتريا (الجراثيم) إلا أن معظم أنواع هذه المخلوقات الدقيقة غير ضارة وأن بعضها ينتج الأحماض التي تتفاعل مع نسيج السن (الميناء العاج) وتبدأ بتخريب طبيعة هذه النسج المكونة من أملاح معدنية فيبدأ تسوس الأسنان. وتؤمن بقايا الطعام وسطاً جيداً لنمو البكتريا المؤذية وخاصة بقايا السكاكر اللصاقة مما يستدعي تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط السني مباشرة بعد الطعام وقبل مرور نصف ساعة حيث يبدأ أذى الأسنان الناتج عن مخلفات الطعام.
وقد زاد حرص العلماء على كشف علاج فعال لتسوس الأسنان وحتى الآن اكثر العناصر فعالية ضد التسوس هو الفلورايد وهو الصيغة الأيونية السالبة من عنصر الفلور ويجذب هذا الإيون السالب بقوة الكترونات العناصر الأخرى وعندما يدخل إلى جسم الإنسان على هيئة أملاح حامض الهيدروفلوريك يتجه إلى الأسنان التي تكون في طور النمو ويشكل مركب فلور الكالسيوم المقاوم للحموض ويتدخل في نسيج السن أثناء تشكلها فتصبح أكثر مقاومة للنخور ولكن لهذه الصورة الإيجابية وجهها السلبي الآخر حيث يؤدي إحلال إيونات الفلورايد بنسبة كبيرة في السن إلى حالة تسمى (التسمم بالفلور السني) ويصبح سطح الأسنان غير منتظم ويتغير مظهرها ولونها ولا تقتصر الآثار السلبية على تشوه الأسنان فحسب بل تتعدى ذلك إلى عظام الجسم مما يؤدي إلى داء العظام الفلوري لذلك لايداوي بالفلور ويطبقه إلا طبيب الأسنان نفسه، واليوم لدينا ثلاث طرق للاستفادة من الفلور لرفع مقاومة الأسنان ضد التسوس:
الطريقة الأولى: هي إدخال الفلورايد عن الطريق العام للجسم ويستفيد منه الأطفال منذ ولادتهم وحتى سن التاسعة من العمر فقد اقترحت بعض الهيئات المشرفة على مياه الشرب في العديد من دول العالم على وضع مادة الفلورايد في المياه بنسبة جزء من المليون جزء، وقد اظهر مسح قام بإجرائه المعهد الوطني الأمريكي لأبحاث الأسنان مؤخراً على تلاميذ المدارس أن 50% اليوم من الطلاب لديهم أسنان سليمة بعد إضافة الفلور لمياه الشرب مقابل 28% فقط في مطلع السبيعينيات حيث لم يكن استخدام الفلور شائعاً.
كما يمكن وصف دواء فلور وهو عبارة عن أقراص صغيرة للأطفال 25 ،0 من مليون جزء من الملغ أو (5 ،0 - 1) حسب عمر الطفل ويمكن لطبيب الأسنان أن يصف أقراص الفلور للأم الحامل ابتداء من الشهر الرابع من الحمل حيث يبدأ تشكل براعم الأسنان اللبنية للجنين.
الطريقة الثانية: هي تطبيق الفلور الثنائي بكثافة عالية مباشرة على الأسنان ويمكن أن يستفيد منه الأطفال من سن الثانية وحتى ما بعد اكتمال بزوغ الأسنان الدائمة (عدا أضراس العقل) ويوجد شكلان شائعان من الفلور المضاعف أو الثنائي.
الشكل الأول بشكل ملح أبيض ناعم يحل بالماء المقطر ويطبق على الأسنان مباشرة بواسطة قطع اسفنجية خاصة أو كرات قطنية مشبعة بالمحلول تدهن بواسطتها جميع سطوح الأسنان العلوية والسفلية ولكن طعمه غير مستحب ولايستسيغه الطفل عادة.
أما الشكل الثاني وهو الأكثر شيوعاً اليوم فهو الفلور الثنائي بشكل هلام (جل) يوضع في قوالب إسفنجية خاصة ملائمة لشكل الفك وتطبق على الفك السفلي أولاً ثم الفك العلوي ولمدة دقيقة واحدة أو 3 دقائق حسب توصيات الشركة الصانعة ويستسيغه الطفل عادة أكثر وطعمه أفضل حيث تضاف اليه منكهات مختلفة (فراولة - كرز) بعد تطبيق الفلور تعطى التعليمات لأهل الطفل بعدم تناول الشراب أو الطعام أو غسل الفم بالماء لمدة نصف ساعة لإعطاء بلورات ميناء الأسنان الفرصة للاتحاد بشاردة الفلورايد مما يقوي هذه البلورات ويجعلها مقاومة للنخر، وتطبيق الفلور هذا لا يؤلم أبداً وليس له مضاعفات حتى ولو بلعه الطفل.
يجب أن يعاد المس الفلوري كل 6 أشهر ولعدة مرات اذا كانت الأسنان سليمة أما إذا كان عند الطفل قابلية للتسوس أو هناك نخور بدئية متعددة فمن الأفضل اجراء المس الفلوري كل شهرين ولعدة مرات مع مراقبة اسنان الطفل بصورة دورية.
الطريقة الثالثة: وهي الاستفادة من الفلور عن طريق التطبيق اليومي والمتكرر للفلور الموجود في معاجين الأسنان والمضامض حيث إن تركيز أملاح الفلورايد في معاجين الاسنان أقل بكثير من الفلور الثنائي بشكل (جل) حيث إن الجل المطبق في عيادة الأسنان يحتوي أكثر بعشرين مرة فلور من المعجون أو المضامض الفموية وبسبب قوة هذا التركيز فإنه لا يجوز تطبيق الفلور الثنائي إلا في عيادة طبيب الأسنان وتحت اشرافه.
أما مدى فائدة استخدام معاجين الاسنان المفلورة بشكل دائم فهي غير معروفة بدقة حتى الآن وخاصة انه من الصعب صناعياً الحصول على شاردة الفلورايد السالبة حرة والاستفادة من أملاح الفلور عند تطبيقها على الاسنان بكثافة قليلة مشكوك بها وغير مثبتة مائة بالمائة وذلك على عكس جل الفلور الثنائي الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية وأصدرت كتيباً عن الفلور الثنائي المضاعف وأكدت على أهمية تطبيقها المباشر.
على أي حال فإن وجود أملاح الفلور في معاجين الاسنان لا يضر بل يمكن أن يفيد ويمكن القول إن الخواص المرموقة لتطبيقات الفلور ضد تسوس الأسنان لها تأثير أعظمي فيما إذا أخذ المرضى بالعناية الصحية السنية وأتبعوها باستعمال المنتجات الفلورية تحت إشراف طبيب الأسنان وبالزيارات الدورية للعيادة السنية.
* إخصائية في طب الأسنان وجراحتها
|