يعتقد الكثير أن الإشراف التربوي المدرسي يقوم بما يشبه دور «المحتسب» إلى حدٍ كبير، إذا ما كان يقوم بالترصد والبحث عن الخطأ، فدوره في هذه الحال كدور الصياد الذي يبحث عن سمكة ضالة في بحر خضم ليصطادها ولكن سمكته هنا هي «الخطأ» الذي يقع فيه المعلم، ويكون الاهتمام منصباً على الشكليات دون الجوهر إذا ما سأل فقط عن وسائل الإيضاح، وعن تقسيم السبورة إلى أقسام، أوعن كراس الإعداد اليومي، وعن كراس درجات المتابعة لدرجات التلاميذ، وعن كيفية استنتاج عنوان الدرس وكأن المعلم سيكتشف قارة مجهولة على خارطة العالم المتناحر! أو كأنه سيفجر طاقات كامنة في عقل هذا التلميذ المسكين إلى غير ذلك من الشكليات التي لا علاقة لها كلها بجوهر القضية!
ولا يغيب عن الذهن أن المشرف التربوي ما هو إلا ناقل خبرة وليس من الضروري - حتما - أن يكون خبيراً؟! فالمهم أن يتعرف على الأهم! هل المعلم متمكن من مادته؟ هل يستطيع إيصال المادة العلمية إلى التلاميذ بطريقة ناجعة ومقنعة؟ هل هو محب لمادته التي يقوم بتدريسها؟ فالمعرفة الحقيقية محبة، بينما الجهل بالشيء أو عدم القدرة على فهمه لا يمكن أن تكون منتجة لمثل تلك المحبة! والمهم ثانياً: هو مستوى التلميذ التحصيلي الذي يهتم به المشرف التربوي وعلى ألا يكون هذا المستوى هو مستوى المعلم ذاته فذلك كما لا يخفى منطق غير سليم لأنه من المهم أن يجازي الإنسان بعمله لا بأعمال الآخرين وهذا قانون إلهي {وّلا تّزٌرٍ وّازٌرّةِ وٌزًرّ أٍخًرّى" } وليس معنى ذلك أن المعلم غير مسؤول عن مستوى تلاميذه بل المهم ألا يشعر بأن هذا المستوى المزعوم هو مستواه ذاته؛ لأنه عندئذ سيشعر بالاضطهاد ممن يقيسه بهذا المقياس الخاطئ خصوصاً إذا كان التلاميذ يعيشون في بيئة منزلية صارفة لهم عن الدرس، وعن المطالعة، ومراجعة ما يتلقون من علوم في المدرسة، أو كان هؤلاء التلاميذ ضعفاء من قبل أن يتولى المعلم تدريسهم.
فأين هذا الأسلوب من كون المعلم يشعر بأن هذا التلميذ أمانته الغالية التي يحبها، ويرعاها ويصونها، ويحاول وضعها في المكان الأمين من وجدانه وضميره! ويحاول إرشاده وتوجيهه بدافع من شعوره بواجبه ومحبته! ولا شك أن التعاون بين المعلم والمشرف التربوي يوصل إلى هذه المحبة إلا أن مشكلة الإشراف التربوي تكمن في نقص الخبرة الكافية عند الكثير منهم، إذ كثيراً ما يكون المشرف في حاجة إلى الخبرة في مجال المادة التي يكون مسؤولاً عنها ومثال ذلك نجد مشرفاً أمضى بعض الوقت معلماً في المرحلة المتوسطة ثم يصبح مشرفاً يعمل في المرحلة الابتدائية، فيكون غير قادرٍ على تفهم طبيعة المرحلة التي أوكل إليه أمرها، رغم أنه قد لا يكون في حاجة إلى المعلومات النظرية، ولكن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون كافية بحال من الأحوال، وإلا لكان شأنه في ذلك كمن يتعلم السباحة نظرياً! وهنا تقع الإشكالات بين المشرف ومعلم الصف وخاصة معلم الصفوف الأولية بالذات، حيث تبدو المفارقة بين ما يقوم به المعلم وما يريده المشرف.
عدم وجود المنهج المحدد الذي يمكن أن يسير الإشراف التربوي على هديه والتركيز على الشكليات أكثر من المضمون - عند البعض - فبعض المشرفين يهمم في الدرجة الأولى كتابة مواعظ ونصائح مثال ذلك كمن دخل على أحد المعلمين ولما لم يجد ما يكتبه كنقد له تطلع إلى كراس الإعداد اليومي لزميله، فوجده يكتب بقلم الحبر الجاف فكتب له توجيهاً باستعمال الحبر السائل؟! فلو كان هناك منهج محدد ما أمكن أن تصدر مثل هذه التجاوزات، وتوجه إلى المعلم المسؤول أمام الله أولاً وأخيراً، فالمسائل الانسانية التي تخضع لعالم القيم كانت دائماً مثار اختلافات واجتهادات، وآراء متباينة، وليس في ذلك ضير إذا كانت الاجتهادات والآراء ناضجة لأنها تظل في مستوى القيمة الإيجابية ولكن الخطورة كلها تأتي من تذبذب المسألة بين عقول، وأمزجة، وآراء فجة، أو سقيمة تضيع معها حدود المعقول والمنطقي مع الهذر والكلام عن القشور السطحية والشكليات العمومية.
أخذ الإشراف للوضع الفوقي وهذه نقطة ذات تاريخ فكلمة الإشراف كانت تسمى بالتفتيش عالقة في أذهان البعض مما يؤدي إلى عدم التفاعل الحقيقي بين الطرفين، وكما يؤدي إلى تفاقم المشكلة التربوية التعليمية فوق رؤوس التلاميذ المساكين دون أن يشعروا بها. وهنا يأتي دور المشرف التربوي المقيم ألا وهو مدير المدرسة هذا إذا ما كان متفهماً لمهام المشرف التربوي! وبذلك نستطيع أن نقضي على الانفصال ليس بالعلاج فقط بل بالوقاية أصلاً من الوقوع في المشكلة التربوية أصلاً؟!
|