صحيح أن البحث عن وظيفة يخضع مبدئياً لمهارة الاعداد الجيد لها، إلا أنه في الحقيقة هناك مهارة ضرورية ينبغي إدراكها وإتقانها، إننا نعني هنا مهارة التسويق، التي يستحسن على طالب الوظيفة الإلمام بها عند التقصي لوظيفة شاغرة في ظل ظروف اشتداد المنافسة بين الباحثين. ومن أجبر على الدخول إلى سوق العمل سيعرف أن العثور على وظيفة جديدة ليس أمراً سهلاً . فسوق العمل يمتص يومياً وبصورة متزايدة ألوفاً من الباحثين بعض منهم غير راضٍ بالاستمرار في وظائفهم الحالية لضعف المرتب، والبعض منهم عاطل للاستغناء عنه لإجراءات خفض مصروفات عمليات الدمج والتقليص الإدارية للمنشآت الاقتصادية المتطورة. ونظراً لتسابق الأعداد الكبيرة في سوق العمل على شغل وظيفة واحدة فإن ارفاق ملخصات السيرة الذاتية والشاملة على وثائق وشهادات علمية وعملية قد يفي بالمطلوب عند المفاصلة والمفاضلة بين المتقدمين. ولكن حتما سوف لا يظفر بالوظيفة الشاغرة الا من هو الأفضل تجهيزاً، والمزود بالخبرات وبالمؤهلات المتوافقة مع احتياجات المؤسسة من موارد بشرية مميزة. وتعلن المؤسسات الاقتصادية عن وجود وظائف شاغرة بناء على يقين بأنها يجب أن تجد الشخص المناسب للوظيفة المناسبة، وليس العكس. وعلى الباحث، في المقابل، أن يحدد الأعمال المستهدفة المناسبة له، وعما يمكنه أن يقدمه لأصحاب العمل، ومعيناً بوضوح الشركات التي تؤديها والتي يحتمل أن يكون بها وجود وظائف شاغرة. فمثلاً شركات القطاع الخاص تعين موظفين قادرين على إقامة علاقات جيدة مع العملاء، بينما شركات التصنيع تحتاج إلى موظفين يتميزون بالدقة والسرعة والتركيز، كما أن إتقان كتابة خطابات المراسلات يفترض فيها أن يعتنى بها شكلاً ومضموناً قبل إرسالها إلى أقسام التوظيف لما لها من قدرة على جذب الانتباه من قبل مديري التوظيف، ولما لها من فوائد في تحديد مواعيد المقابلات الشخصية للتفاوض خلالها على أحسن عائد من الوظيفة، وإذا ما عرفنا أن عشرين بالمائة فقط من الوظائف يتم شغلها عن طريق إعلانات الصحف ومكاتب العمل فإن الثمانين بالمائة المتبقية يتم شغلها بواسطة البحث الشخصي الميداني في مقابلة القائمين على التوظيف.
ومن هنا فإن الوظيفة تشبه في حالها بجبل جليد طافىء، فيه الجزء الظاهر لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً من حجمه الحقيقي، وهذا الجزء الظاهر هو قدرات الباحث الفنية والعلمية ومؤهلاته، أما الجزء المغمور تحت السطح فانه يمثل كل المستويات الأخرى للباحث من إصرار ميداني ومتابعة واتصال لا يعرف الكلل ولا الملل، حتى يوفقه الله لوظيفة شاغرة تتناسب مع طموحاته ورغباته.
|