لليهود حلم في العراق.. حلم يختلف عن كل الأحلام اليهودية في أراضي العرب.. وإذا كان اليهود يطمعون في اقامة مملكة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بعد نهب وسرقة أرض العرب طمعاً فيما تختزنه هذه الأرض من ثروات، فإنهم يحلمون بالعودة للعراق أضافة لأطماعهم، لإشباع رغباتهم الدفينة بالانتقام من العراق.. العراق الذي سُبي إليه اليهود في عهد نبوخذ نصر ملك البابليين الذي انتصر على اليهود في معركة كبيرة على أرض فلسطين فأخرجهم منها بعد أن أباد ثلثهم وشرد الثلث الآخر وجلب الثلث الأخير ليجعل منهم عبيداً للبابليين.. حيث ظلوا خدماً للعراقيين إلى أن تآمروا مع الفرس في تسميم آبار بابل مما أتاح للملك الفارسي هزيمة البابليين.
من يومها يحلم اليهود بالانتقام من العراق وريث الحضارة البابلية، ولهذا وقبل أن تنتهي المعارك العسكرية في عراق أمريكا، أخذ الإسرائيليون يتدفقون إلى بابل، إذ يقول جاكي حوجي الكاتب اليهودي في صحيفة «معاريف» إن لهذا الانقضاض وجوهاً كثيرة حيث نشط وكلاء السفر في إعداد وتأهيل المرشدين السياحيين للعراق طامعين في الحصول على رزم سياحية.
وزير المالية بنيامين نتنياهو يعلن في لندن عن قرب اليوم الذي يستأنف فيه تدفق النفط العراقي من كركوك إلى حيفا، ورئيس حزب العمل شمعون بيرس أبو فكرة الشرق الأوسط الجديد، يعطي مقابلة لتلفاز الجزيرة من الأردن، ويعبر عن تفاؤله في نفس الاتجاه، ومبعوث الوكالة اليهودية، جيف كاي، يعود من العراق، ويشرك الصحافيين في انطباعات زيارته المثيرة إلى الكنيس هناك، ونائب وزير المالية الأمريكي، جون تيلور، بصفته صاحب البيت الجديد في العراق، لا يتردد عن أن يقول ليديعوت، أحرونوت: إن طريق المستثمرين الإسرائيليين إلى العراق مفتوحة.
هذا الاحتفال يجري في حين تخوض الميليشيات المسلحة المؤيدة لصدام، حرباً ضد الجيش الأمريكي ملحقة به الخسائر، أجل في العراق مازالت الحرب دائرة، وفي كل يوم تقريباً من الأسبوع الأخير، سقط قتيل أمريكي.
وحدات المارينز، ومروحيات الأباتشي في ذروة الإعداد لحملات سحق ميليشيات فدائيي صدام ونشطاء «حزب» البعث، المتحصنين في تكريت والفلوجة وسائر المدن.
وجزء من ال«55» مطلوباً للجيش الأمريكي وآخرون، ممن لا تشملهم القائمة مازالوا طلقاء ولم يلق القبض عليهم.
العراقيون مازالوا يلعقون جراحهم من سنوات حكم البعث طيلة «34» عاماً هم مرتبكون إزاء التغيير، وليس واضحاً بالنسبة لهم أي زي سيرتدي النظام المستقبلي، ومن سيكون الرئيس القادم عموماً، ومسائل وجودية ومعيشية وحقوق الإنسان والأمان الشخصي مازالت معلقة بلا جواب، وهم أيضاً مازالوا لا يعرفون كيف يتصرفون بالحرية التي هبطت عليهم، ثمة بينهم من يشكون فيما إذا كانوا أحراراً فعلاً، في العراق يذكرون ما قد نسينا، كيف هبط هناك جبي غارنر، الحاكم المدني الأمريكي قبل شهرين، ووعد بأن يكون الرئيس العراقي عراقياً، وأن من يديرون شؤون الدولة الجديدة سيكونون أبناءها لا الأجانب.
إلى قلب هذه المعمعة يهبط السيد من تل أبيب، ودون حتى أن يسأل، يبسط نظرية مرتبة لابتياع النفط والتهام السمك على نهر دجلة، والغمز نحو الأملاك التي خلفها أجداده قبل خمسين سنة وأكثر.
مذهل، وغير مهذب بعض الشيء، ولذا ينبغي الافتراض أن الإسرائيليين لن يكونوا مرحباً بهم لدى مجيئهم إلى العراق، وبوادر ذلك يمكن مشاهدتها من الآن في شوارع بغداد.. فالمناشير تحذر الجمهور من بيع ممتلكات للإسرائيليين، وهكذا يحذر كذلك أئمة المساجد. الشائعات تقول بأن كثيرين من الجنود الأمريكيين هم من اليهود، الذين أرسلوا للاستيلاء على أملاك عراقية.
العراق كدولة نفط عظمى، ليست بحاجة إلى السوق الإسرائيلية الجديدة، فمع رفع الحظر، سوف تقف في الدور، دول مستهلكة أكبر منا مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة بمقدورهم إذن، ترميم اقتصادهم دون السائح الإسرائيلي، فملايين اليابانيين والألمان والأمريكيين سيقومون بذلك بصورة جيدة لا تقل عما تفعله ليمور وشراغا وسائر الأطفال.
المجتمع العراقي بمعظمه مؤيد للفلسطينيين، والإسرائيليون الذين يغنون في شوارع بغداد ويزعمون بأنهم جلبوا السلام مازالوا ضيوفاً غير مرغوب فيهم، وثمة قضية أمنية أيضاً عراق اليوم دولة دون قانون، الأمر الذي يعرض كل إسرائيلي يزورها للخطر، حتى لو كان حاصلاً على بركة أصحاب الأسهم المؤقتين الأمريكيين.
ينبغي تحقيق أحلام السلام مع بغداد في اطار اتفاق سلام، وبموافقة عراقية كاملة فإذا رفضوا اضطررنا للبقاء في تل أبيب ومواصلة الحلم.
وهبوط الإسرائيليين في بغداد خارج إطار اتفاق سلام، بمساعدة أمريكية مخادعة، سيعتبر بمثابة اقتحام لص لبيت خاص، ويغرس الشعور بأن الإسرائيليين يقومون ثانية بفرض أنفسهم على شعب آخر.
|