* رام الله - نائل نخلة:
مع الافراج عن شيخ الأسرى أحمد جبارة أبو السكر أصبح الأسير سعيد العتبة أبو الحكم حديث الشارع الفلسطيني بعد ان أصبح اقدم اسير فلسطيني بعد الافراج عن رفيقه، وباتت صوره تتصدر المسيرات والمهرجانات التي تطالب بالافراج عن بقية الأسرى والتي تزداد أعدادهم يوما بعد يوم، وبلغت محكوميات العديد منهم تتجاوز المدة التي قضاها أبو السكر خلف القضبان.ستة وعشرون عاما مضت الآن على اعتقال سعيد العتبة ومازال متنقلا بين سجون الاحتلال كغيره من السجناء الفلسطينيين وقد بلغ من العمر الآن 52 عاما، علما انه اعتقل وعمره 26 عاما بعد ان أنهى الثانوية العامة بمدارس نابلس، وطوال هذه المدة تعيش عائلة أبو الحكم على الذكريات لكن الآن تجدد بصيص أمل بالافراج عنه، حتى وان كان هذا الأمل ضعيفاً إلا ان أفراد عائلته يجدون بتسليط الضوء على قضيته وتحوله الى أقدم أسير بعد أبو السكر من شأنه ان تعيد طرح اسمه أمام وسائل الاعلام والهيئات الدولية أملا بالافراج عنه.
والدة الأسير وشقيقاته اللواتي يعشن بمنزل متواضع في منطقة جسر التيتي بمدينة نابلس والذي أصبح المنزل الآن محط أنظار وسائل الاعلام للحصول على تفاصيل اعتقاله وحياته داخل المعتقل وهو الشيء الذي بعث بالحياة من جديد لمنزل العائلة بعد ان فقدوا الأمل 26 عاما متواصلة، دون ان يكون هناك تسليط اعلامي على قضية الأسير سعيد العتبة، إلا ان الافراج عن أبو السكر جعل من قضية أبو الحكم القضية الأولى التي من خلالها يطالب الفلسطينيون بالافراج عن كافة الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.
والدة سعيد والتي باتت صورته لا تفارق حضنها، وهي آخر صورة أرسلها للعائلة من داخل معتقله ويبدو فيها وقد أخذ العمر منه الكثير، تعود بذكرياتها الجميلة عندما كان سعيد شابا صغيرا يملأ البيت سعادة، لكنها لا تنسى اليوم الذي ذهبت به العائلة من أجل خطبة احدى الفتيات لسعيد وذلك عام 77، وبالفعل قامت العائلة بالتقدم لخطبة الفتاة ومضت أيام قليلة بانتظار الرد من عائلة الفتاة إلا انه قبل الموعد المحدد بيومين كان منزل العائلة على موعد مع الاقتحام عند الساعة الرابعة فجرا لتقوم قوة كبيرة باعتقال سعيد ووضع حد لمستقبله وفرحته.الوالدة ورغم كل هذه السنين التي بلغت ربع قرن إلا انها تتذكر تفاصيل الاقتحام وعملية الاعتقال والتي تقول انها لا تختلف عما يقومون به الآن. فالتحطيم والتخريب هو الحال الذي كان عليه البيت اثناء اعتقال سعيد، اضافة الى شقيقه نضال الذي قضى مدة عام داخل المعتقل وعاد لممارسة حياته الطبيعية ليصبح الآن طبيبا في المدينة. وتضيف والدة سعيد (أم راضي) بان اليوم الذي اعتقل به سعيد كان هو اليوم الذي حددته العائلة لزفاف احدى شقيقاته، وقد تحول اليوم الى حزن شديد وتحولت الزغاريد الى دموع فراق.
26 عاما مضت وكان خلال جزء كبير منها ملف المعتقلين مهملا ولم يكن يشعر بمعاناتهم سوي عائلاتهم التي كان عليها زيارتهم كلما سمح لهم بذلك، برغم كل أشكال المعاناة التي تتكبدها العائلة جراء عمليات نقل السجناء التي كان يقوم بها الاحتلال بين الحين والآخر. تقول والدة سعيد انه قضى عاما في سجن نابلس المركزي قبل ان ينتقل الى بئر السبع ثم عسقلان ليعود الى جنيد في نابلس ومن ثم الى نفحة الصحراوي، وكان على العائلة التنقل بين كل هذه السجون متحملة كل اشكال التعب واجراءات السجون وتأجيل الزيارات والغائها احيانا، كما هو حاصل الآن، ولا تتمكن العائلة من زيارته منذ ثلاث سنوات.ولمعاناة الاسرة اشكال عديدة لكن أصعبها هو وفاة رب الأسرة أبو راضي بعد اصابته بنوبة قلبية وهو على باب المعتقل أثناء زيارته لابنه سعيد ونقل الى مستشفى في نابلس ليصاب بنوبة اضافية ويتوفى بسببها. فالوالد لم يحتمل رؤية ابنه خلف القضبان.
أما عن حياة سعيد وظروف اعتقاله فتتحدث احدى شقيقاته لتقول عنه بانه كان بطلا في الفترة التي عاشها خارج المعتقل، فقد كان باديا عليه العمل الوطني منذ شبابه، وتذكرت عندما استشهدت لينا النابلسي طلب منها سعيد تحضير بعض الزهور لتكتشف بانها كانت من أجل اعداد أكاليل الزهور لجنازة لينا، وتقول انه في فترة السبعينات كان العمل الوطني يتم بشكل سري مهما كان حجم هذا العمل، فان منفذه يعتقل ويحكم عليه بأحكام عالية سواء كان ذلك توزيع منشور أو حتى المشاركة بجنازة تشييع، إلا ان سعيد كان واحدا من المشاركين بالعمل الوطني في السبعينات، واعتقل بعد القاء القبض علي زميل له كان بطريقه لزرع عبوات ناسفة في منطقة قريبة من يافا، وبعد عملية تعذيب طويلة اعترف بمسؤولية سعيد عن المجموعة العسكرية والتي كانت تنتمي الى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ليعتقل سعيد بعد ذلك بأربعه ايام وتوجه له تهمة المسؤولية عن المجموعة، وتم اغلاق المنزل في اعقاب اعتقاله وبقي مغلقا 17 عاما. لكن سعيد تحول في المعتقل الى قائد سياسي حيث أصبح عضوا في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ثم التحق بالاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) وانتخب عضو للجنتها المركزية، ومثلما حصل مع أبو السكر فقد فشلت عمليات تبادل الأسرى عام 1985 بالافراج عن أبو الحكم، وكانت فرصة الأمل الوحيدة لخروجه من المعتقل بعد قضاء 9 سنوات في السجن.
|