مشاهد مدهشة:
كان الطفل لا يتكلم ولكنه بشارات القلب ورموز العقل يشارك الأطفال الشقاوات البريئة ونعمة التفكير.
كانت الطفلة لا تجري، تحجل برجل واحدة ولكنها بما لا يحد من الأجنحة تسابق أقرانها إلى تسلق شجرة المعرفة وترن ضحكتها بمشترك الطفولة والمرح معهم.
كان الطفل يعاني من إعاقات مركبة وآلام مبرحة إلا أنه يحس بسرور سري ذلك النبض المتبادل بينه وبين قلوب تحبه ويحبها وكلما لامسته قطيفة الأيدي وإن بدا سارحا في ملكوت وحده.
لقد رأيت بريق المستقبل في عيون أطفال صغار لم تمنعهم الإعاقة من الحلم ومن خفقان الأجنحة.
غير أن لا أحد يحس حرقة الحرمان من أبسط حقوق المواطنة مثل طفل تحرمه ظروفه الصحية مما يوفره المجتمع لأبناء جيله من فرص التعليم واللعب والمشاركة.
وحتى لا يعاني أطفالنا الذين يعانون إعاقة ما من الحرمان مرتين لابد من حماية حقوقهم في التعلم واللعب في الحصول على طفولة مرحة وعادلة وفي النمو حسب معدل سرعتهم. حتى لا يحرم هؤلاء الصغار من حق المساواة في فرص الحياة لابد من ابتكار كل السبل التي تتيح للبراعم حق التمتع بحقوق المواطنة والفرصة لاداء واجباتها.
اكتب هذا الكلام وقد جربت بانتفاضات روحي قبل مغادرة طفولتي الأولى عذوبة وعذابات تقفيص الأجنحة. كما جربت قسوة ونشوة كسر قيودها والتحرر من الاستسلام للمفاهيم الاجتماعية السائدة عنها من الحنان الجارح إلى الحرمان الجارف.
أكتب هذا الكلام وقد نهلت شهده من كف أم صبورة وجبارة كانت تشأف شوكة الإعاقة بالكشف عن ملكة التحدي في الطفل ومنحه مساحات من الحرية والتسامح ليطور طاقاته البديلة بل وليحول الإعاقة نفسها إلى حالة من تميز وتفوق.
أكتب هذا الكلام وقد عرفت اطفالاً تفور أو ترقرق الاحزان والكآبة المبكرة في التماعات عيونهم ويقعون فريسة لآلام اجتماعية شرسة تفوق الالام الصحية تحاول أن تحولهم إلى ضحايا وإن كانوا يرفضون القبول براحة ذلك المذبح. وهذا او ما هو أفدح منه يحدث بل يتكرر حدوثه كل يوم لا لشيء إلا لأن ليس هناك حول هؤلاء الاطفال أو بجانبهم من يعتقد أن للأطفال رغما عن أي محدودية جسدية اجنحة يمكن بشيء من الحلم والإصرار والتعليم والمساواة إطلاقها في آفاق لم نتوقعها، لتحلق بهم وتجعلهم يتفوقون على تلك المحدودية بطرقهم الخاصة التي لا تخضع بالضرورة لقوالب تنميط الأطفال في نموذج «مثالي» هو وحده المتوقع والمتقبل.
أكتب عن هؤلاء الأطفال الذين تخفق أرواحهم بالحس والحب بخبرتي اليومية الشاسعة في التحليق بقطيفة الريش وفي المشي على مواكب الشوك، في الاكتواء بحرقة الحبر وفي الاستشفاء بحرير الأجنحة لأسأل:
ما عسانا فاعلون لئلا نترك الإعاقات تفرفط أجنحة هذه الباقة الغالية من اطفالنا وتذروا ريشها امام عيوننا ونحن لا نملك إلا المعاناة والشعور الحارق باللوعة والحسرة السالبة أو الإمعان في عزلة نحتاج بإلحاح أن نفكها عنهم وعنا؟!.
وفي هذا نحتاج لفعل الكثير ونستطيع فعل الكثير كمجتمع وكأفراد كأسر وكأصدقاء على أن هناك بدايات يمكن الانطلاق منها والتأسيس عليها.
ومن حسن الطالع أن الصديقة د. فاطمة الخريجي، مديرة مكتب الإشراف للتعليم الخاص وقد أمضت نصف زهرة شبابها تتجول بين مدن المملكة وقراها في معايشة حية للحاجات الخاصة لهؤلاء المواطنين الطالعين من ضلع الوطن تملك ذلك الحس المرهف الذي عمدته التجربة فجعلها تستطيع حتى في أحلامها أن تسمع حفيف اجنحة أولئك الاطفال قبل ان تصفق في الهواء. فنراها دائماً تشمر عن ساعديها وتعطي الاطفال بعلمها وحماسها درسهم الأول في الطيران. ولقد وصلني في سياق اهتمام الدكتورة فاطمة المعرفي والأمومي والوطني بمن تعدهم فلذات كبدها من البنين والبنات رسالة عبر الفاكس تعبر فيها ببساطتها وصدقها وخبرتها عن بعض الرؤى في شجون هؤلاء المواطنين من الأطفال. وفي الرسالة تملك الدكتورة فاطمة الشجاعة لنقد بعض اوجه القصور في الاعتراف بإنسانية ومواطنة هؤلاء الفلذات وفي التعامل مع قدراتهم التي لا يزال بعضها يعامل باستهانة أو بإهمال ولحيوية ما جاء في رسالة الفاكس مما هو في رأيي جدير بأن يدرج في جدول القرارات والخدمات الخاصة بحقوق الطفل في هذا المجال فقد رأيت ان اقدم «مقترحاتها العملية» هنا لمن يهمه حقاً أمر الطفولة من أصحاب القرار.
أولاً: المقترحات:
تطوير تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بحيث يكون مناسباً للمتطلبات العلمية والمعرفية لهذا العصر الذي نعيش فيه مع مراعاة مقابلة احتياجات كل فرد على حدة.
إعداد المباني المدرسية والمعامل وسوق العمل سواء كان حكومياً أو خاصا والمستشفيات والمرافق العامة والمنازل بطريقة تسهل حركة الأفراد ممن يجدون صعوبة في الحركة وذلك لإعطائهم شعورا بالاستقلالية وحرية الحركة.
ضرورة الحرص على ان تشمل مواقع الترفيه والألعاب مرافق لا تحرمهم حق المتعة والمرح.
تفعيل النظام الصادر في تحديد أو تخصيص جزء من المواقف العامة لذوي الاحتياجات الخاصة ومعاقبة من يستغل هذه التسهيلات من الأفراد العاديين.
توفير التعليم المجاني لجميع اطفال الاحتياجات الخاصة بنين وبنات سواء داخل المدارس الحكومية أو الأهلية بحيث تقوم وزارة المعارف بتأمين احتياجاتهم من خدمات أساسية ليستطيع كل منهم الحصول على أعلى مستوى من التعليم والتدريب ومحاولة مساعدة المدارس الحكومية بتغطية جزء من نفقات الأطفال داخل المدارس الأهلية إذا لم يتوفر خدمات لهم في مرفقات التعليم الحكومي.
إيجاد برامج تعليمية أو تدريبية للأطفال الكبار ما بعد عمر المرحلة الابتدائية إذ إن مرحلة ما بعد الطفولة وبداية الشباب أي ما يقع في (مرحلة المراهقة) يعاني من فراغ ويعاني هم أنفسهم فيها من فراغ مريع نظرا لغياب البرامج التعليمية والتدريبية والترفيهية لهؤلاء المواطنين عن معظم المرافق الحكومية والأهلية رغم حساسية هذه المرحلة العمرية.
إعداد برامج تدريبية في الوزارات ومعهد الإدارة والقطاعات الخاصة للناضجين منهم للرفع من كفاءتهم العملية وليساهم في إتاحة الفرصة لهم للحصول على العمل المناسب. ومثل هذا الإجراء غاية في الأهمية وذلك لئلا يحبط الأهل بأنهم عندما يكبر اطفالهم ورغم الجهد الذي يبذله الصغار في التعلم لن يجدوا اماكن تفتح ذراعها لاستقبالهم في احتياجات تعليمية أعلى توسع لهم فرص العمل مستقبلا.
احترام الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة وعدم النظر إلى اعاقتهم إنما يقدر كل منهم لشخصه كانسان وكمواطن ولما يقوم به من عمل وجهد فيما لو كان يجد الاستطاعة لذلك، وحفظ احقيته في الحالتين كمواطن وفي الحصول على الدعم المالي من الدولة أو القطاعات الأخرى وتوفير الأعمال التي تتناسب مع قدراتهم وتطلعاتهم وحماية غدهم بجعلهم جزءاً من خطط المستقبل للتنمية والتطوير.
تشكيل لجنة تمثل متطلبات هؤلاء المواطنين ويكون لهم تمثيل في مجلس الشورى وجميع مرافق الدولة.
ثانيا: معيقات لابد من مواجهتها:
عدم وجود مراكز تشخصيصة عالية الكفاءة بحيث يتم تشخيص حالة الطفل بطريقة شاملة ومن ثم تقدير الخدمات المطلوبة وتوفيرها.
عدم توفر برامج التدخل المبكر والتي يجب توفيرها لتبدأ العمل مع الطفل وأسرته من لحظة اكتشاف الإعاقة أو الإحساس بها.
عدم توفر برامج تدريبية للأهل في هذه المراكز وداخل المنازل رغم ضرورة ذلك ليتمكن الطفل من التغلب على معاناته دون نزعه من أحضان أسرته.
وأخيرا فإنني في هذا أضم صوتي إلى صوت الدكتورة فاطمة الخريجي وكل المواطنات والمواطنين الذين تعنيهم هذه القضية مع التشديد على ضرورة الإقرار بحقوق الأطفال إناثا وذكورا في مواطنة تتمتع بالمساواة وفي حياة شامخة وأبية.
وحدهم الاطفال يستطيعون تسلق الجبال وقطف الغيوم والنجوم من على قممها الشاهقة دون أن يغادروا أماكنهم. ونعلم أنهم لم يكونوا واهمين في رحلتهم الجبلية تلك عندما يرى المبصرون منا ماء الغيوم وبريق النجوم تلمع في أيديهم الصغيرة وجراحاً طرية تضحك على أقدامهم التي كانوا يجرون حفاة بها من قارة إلى قارة.
|