شخصت ابصار الملايين على امتداد الوطن العربي نحو القناة العربية مساء السبت 27/6 لمتابعة مقابلة محمد سعيد الصحاف على هذه القناة، كان الجميع يرغب في رؤية الرجل الذي نال شهرة واسعة خلال فترة الحرب في العراق وبعدها، ورسم الحرب بشخصيته وبتعليقاته اللاذعة وانتقاداته الساخرة وبياناته الاعلامية.
الصحاف وهو الشخصية التي نالت شهرة واسعة على امتداد العالم بأسره، ظهر على الشاشة وقد تغيرت ملامحه، فالشعر اشيب، والجسم نحيل، والقهر بادي على الوجه، والعينان تكتمان غيظاً واضحاً، بدا الرجل منكسراً، وحزيناً، ومقهورا، واكتفينا من متابعته فقط برؤية هيئته الجديدة، فهو لم يتفوه بكلمة واحدة تجلي الغبار عن حقيقة سقوط بغداد المفاجئ، واكتفى الرجل بعبارة «اتركها للتاريخ وسوف اتفرغ لكتابة مذكراتي»، وردود من هذا القبيل.
وقد تناولت الكثير من الصحف العربية بالتحليل ظهور وحديث الصحاف، وانقسمت الآراء حوله، وحظي ظهوره باهتمام وزراء الاعلام العرب الذي صادف اختتام اعمال دورتهم السادسة والثلاثين مع ظهور الصحاف على الشاشة، فأدلى البعض منهم برأيه في حديث الصحاف وحتى شخصيته، ويبدو ان الرجل مازال محاطاً بدائرة الاهتمام العربي والعالمي فالمقابلة على الرغم من فقدان قيمتها الحقيقية لعدم وجود اي امر مهم ذكره الصحاف الا ان حديثه اثار الجدل.
مايعنيني شخصياً من المقابلة قول الصحاف المثير بأن حقيقة سقوط بغداد المفاجئ سوف يتركه للتاريخ، وقوله بأنه سوف يتفرغ لكتابة مذكراته التي سوف يسجل فيها كل شيء، وهو الامر الذي يبعث على التشكيك او حتى عدم صدقه، فحديث الصحاف كان اغتيال التاريخ، واجزم بأن الرجل لن يتفوه بكلمة واحدة مستقبلاً، ولن يكتب ماهو يعنيه، وان كتب فسوف يدور حول الحلقة ولن يدخلها، وستظل قصة سقوط بغداد المفاجئ من ضمن القصص التي يجوبها الغرض، ويحوطها التكتم، لأن الصحاف بدا خائفاً، قلقاً، ثم وهو الاهم انه لن يستطيع الكلام سواء الآن او مستقبلاً وهناك من يراقب تحركاته وتصرفاته، فسلامته هي الاهم في نظره.
يبقى سقوط بغداد المفاجئ على الرغم من المقاومة الصعبة التي ابدتها المدن العراقية الاخرى في المقابل مثيراً للتساؤل، ويبقى احتلال العراق القهري في القرن الحادي والعشرين شاهداً على فشل النظام الدولي الذي استحدث بعد الحرب العالمية الثانية وكان من المفترض ان يقود العالم الى السلام لكن ماحدث في العراق دليل اكيد على ان البقاء للاقوى، وان اي نظام لن يحكم او يبقى على جماح المعتدي اذا رغب في ذلك.
التاريخ يستجلي حقائق ماهو متاح، اما غير المتاح فلا يمكن النفاذ اليه، فكيف يمكن ان تكون قصة سقوط بغداد والوثائق حرقت، والافواه كممت، والمعالم شوهت.
بغداد واي نكبة حلت بك، ولم يبق مستعمر او غازي على وجه الارض منذ الازل الا ووطئ ارضك، وتاريخك يطويه النسيان والخوف.
|