Monday 30th june,2003 11232العدد الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
أهلنا أولى بخيرنا.. ثم أولى!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

جُبِلَ أهل هذه البلاد، قيادةً وشعباً، على حبِّ الخير والعمل في سبيله، فمشروعات البرّ، غذاءً كساءً وعلاجاً وتربيةً وإسكاناً، تعْمرُ الأسماع والأبصار والأفئدة في أكثر من مكان من بلادنا، وتلك من نِعَم الله وفضله على أهل هذه البلاد أن سخّر ثلةً مباركةً من صانعي البرّ، أفراداً وأُسراً ومؤسّسات، ينتثرون عبر خريطة وطننا الكبير، يسعفون المريض، ويدعمون البائس، ويُنجدون المحروم، لا يبتغون وفي ذلك جزاءً من الناس ولا شُكوراً، محتسبين الثواب من عند الله، وهو نعم الثواب!
***
وآخرون منهم.. عَبَر قطارُ برّهم الحدود الى بلاد قريبة وبعيدة، إسلامية وعربية، فنَعُم ببرّهم اليتيمُ والمعوّق والبائس وابن السبيل!
***
ولدولتنا أيّدها الله، ناصية مباركة في فعل الخير، حيثما دعت الحاجة إليه، داخل البلاد وخارجها، ويكفي تدليلاً على ذلك، انه ما أن تحلَّ كارثة ببلد إسلامي أو عربي، دون استثناء، متأثراً بحرب أو جفاف او طوفان او اختلال في توازن الأرض، بركاناً أو زلزالاً، إلا وتكون المملكة العربية السعودية أول المبادرين لنجدة هذا الشعب أو ذاك، فتقيم لهذا الغرض جسوراً جويةً وبريةً منتظمةً تنقل الدواء والغذاء والكساء والخيام وما في حكم ذلك لتخفيف ويلات الحدث، ومواساة من تأثر به، إصابة أو هجرةً من سكن أو فقد ممتلكات ونحو ذلك.
انتقل من هذه التوطئة الى القول بأن هناك الآن أكثر من صوت يطالب بأن يقصر أهل البر في المملكة برّهم، عيناً كان أم نقداً، على أهلنا في الداخل ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً، وأعلّل هذا الطلب بأسباب كثيرة، من أهمها:
أولاً: أن هناك شرائح كبيرةً في مجتمعنا السعودي تعاني من أعراض العوز والفقر، مسكناً وملبساً وعلاجاً وإعاشة، وهي أولى من غيرها ببرّ أهل البرّ، إنفاقاً، وبذلاً واهتماماً.
ثانياً: إننا قد اعترفنا رسمياً وشعبياً، وبأكثر من وسيلة، ان «الفقر» في بلادنا بات قضية انسانية ملحة، لا يمكن تجاهلها ولا التساهل في التعامل معها، بل لا بّد من التصدي لها بكل السبل، مذكراً في الوقت نفسه بأن الدولة ليست مسؤولة وحدها عن التصدي للفقر، لكن للمواطن القادر على البذل، زكاةً او صدقةً او تبرعاً، دوراً هاماً وملحاً في هذا السبيل.
***
ثالثاً: علّمتنا التجربة في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان.. ان «طفيليات» الارهاب حيثما كان قد تتغذى أحياناً من «جداول البر» حين ينحرف مسارُها لتصبُّ في جيوب وبطون من لا يستحقون جوداً ولا عطفاً ولا برّاً، بل قد يستثمرونها في «تمويل» آلة الارهاب وآلياته، لنصلى نحن بعد ذلك وأجزاء أخرى من العالم ناراً من الارهاب تلظَّى.. ثم نكتشف بعد حين ان للبرّ بابين: ظاهر أحدهما الرحمة.. وباطنه العذاب للمجتمع المدني البريء، أفراداً ومؤسسات!
***
رابعاً: جاء في الأنباء أن الدولة - رعاها الله - اتخذت مؤخراً إجراءات حازمة لتشديد الرقابة على الأموال التي تُحوّل الى الخارج تحت مظلة البر، مخافة ان يُحرَّف او يَنْحرفَ مسارها.. لمصلحة المنحرفين والضالين من عملاء السوء، ورغم هذا، اتمنى ان يتم تركيز نشاط البرّ في حدّه الاقصى على من يستحق العون من أهلنا داخل حدودنا، فهم أولى به!
***
خامساً: السيولة النقدية عنصر ناضب، ولذا أتمنى ان يقرن أهل البرِّ مساعدتهم النقدية.. بإقامة مشروعات عينية لمصلحة الفقراء، مثل المجمعات السكنية، وحفر الآبار، ومكافحة وعلاج الإعاقة، وتقديم الآليات والبذور الزراعية، ودعم جهود التدريب والتأهيل المباشريْن على الأعمال المهنية التي يمكن ان تطعم صاحبها خبزاً حلالاً، وتمنحه القدرة على العمل والكسب الحلال.. يضمن له قدراً من ديمومة الإيراد، وحفظ ماء الوجه وتنامي الثقة في النفس والمجتمع!
***
باختصار شديد: إذا كنّا، حكومة وشعبا، نقرّ بأن في «بيتنا» «غولاً» اسمه الفقر تعاني أعراضَه شريحة غالية من أهلنا في الشمال والوسط والجنوب والشرق والغرب، فإن أريحية البرِّ في بلادنا مدعوّة وبقوّة للمشاركة في اقتلاع هذا «الغول» الخبيث من بيتنا، فأهلنا أولى بخيرنا ثم أولى!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved