Monday 30th june,2003 11232العدد الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العولمة إلى أين...؟! العولمة إلى أين...؟!
عبدالله الصالح العثيمين

كثر الحديث - وما زال يتكاثر - عن العولمة، تعريفاً لها وتوقُّعاً لنتائجها وآثارها، ومن الناس من لم يروا فيها إلا شراً لا بدَّ منه، ومنهم من لم ينظروا إليها إلا من خلال رؤية إيجابية ليقرِّروا في نهاية المطاف أنها مفيدة لجميع الدول والشعوب، إذ تعني في نظرهم إزالة الحدود التي تعيق تبادل المنافع في جميع المجالات، وهم بهذه النظرة يجعلونها بمثابة العالمية، وكتابة الأستاذ الدكتور أحمد صدقي الدجاني عن مدلولي العولمة والعالمية توضِّح الفرق بينهما غاية التوضيح.
على أن للعالم الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب كلاماً من أجمل ما قرأه كاتب هذه السطور وأحسنه، فقد قال في كتابه اللطيف المفيد عن اللغة العربية في عصر العولمة ما يأتي:
«كيف نعرِّف شيئاً ما زال في حالة التكوُّن والتشكُّل، ولعلَّ ما يشهد لذلك أن كثيراً من المثقفين العرب عندما قرأوا أدبيات العولمة الغربية أول الأمر ظنوا أن العولمة، وبخاصة في صورتها الإنتاجية والمالية، تنطوي على تدويل متساوٍ للإنتاج والمال بين دول العالم المختلفة دون أن ينتبهوا إلى أن هذا التدويل يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة دول المركز في أوروبا وأمريكا، وأن دول الهامش (النامية) ليس لها إلا دور ضئيل يتمثَّل في إيجاد القاعدة لمؤسسات التمويل الضخمة والشركات المتعددة الجنسيات كي تنتج بضاعتها من خلال مراكز قد تستخدم فيها الأيدي العاملة الرخيصة والمواد الأولية المتوافرة، إن وجدت وإلا استوردت اثنتين، وكانت الدولة المضيفة مجرد قاعدة للإنتاج والتوزيع».
وقد سبق أن قال كاتب هذه السطور قصيدة هزلية عن العولمة، ومما ورد فيها أنه سأل عن معناها من ظن أنه سيوضحه له، لكنه فشل في الحصول على إجابة مقنعة، ولهذا لجأ إلى أحد المجانين - امتثالاً للقول المأثور: خذوا الحكمة من أفواه المجانين - فأجابه بقوله:
جواب ما سألت عنه سوف أجلو مبهمهْ


أن تحكم الدنيا عصابات ابتزاز مجرمهْ
تفعل ما يحلو لها باطشة مهدِّمهْ
لأنها في العالمين الخصم والمحكَّمهْ
ومن يَفُهْ بكلمةٍ عن جورها أو مَظْلمهْ
غدا سليم رأسه جمجمةً مهشَّمهْ
وأن تظلَّ أمتي مهانةً مشرذمهْ
يزيدها مرُّ الليالي فرقةً وأقلمهْ
وأن يُرى أحرارها أفواههم مكمَّمهْ
كيلا تُمسَّ كبرياء النخبة المنعمَّهْ
والخيل عن جموحها المخيف تُبقى ملجمهْ
هذا الذي أعرفه عمّا يُسمَّى العولمهْ

وأعود بعد هذا الكلام الذي هو أشبه ما يكون بتوطئة للموضوع المتحدَّث عنه، منذ بداية اهتمامي بقضية الأمة الأولى، وهي قضية فلسطين، تأملت تأريخ العلاقات بين الدولة الأمريكية واليهود - قبل إنشائهم لدولتهم وبعده - فوجدت عمق تلك العلاقات. لقد بدت البغضاء للمسلمين من أفواه بعض قادة أمريكا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن الذي تلاه، وظلت تلك البغضاء راسخة في نفوس بعضهم وإن اختلفت مظاهرها بين حين وآخر، ومنذ عهد الرئيس ولسون توثَّقت العلاقات بين القادة الأمريكيين والقادة الإسرائيليين، وأصبح الطرفان متَّحديْن في الموقف تجاه فلسطين وأهلها، ومما قد يبدو غريباً في النظرة الأولى أن ذلك الرئيس، الذي نادى بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أيَّد وعد بلفور القاضي بتأسيس وطن قومي للصهاينة في فلسطين مع علم الجميع أن هذا التأسيس يتنافى مع حق الشعب الفلسطيني، الذي كان حينذاك يمثِّل أكثر من 90% من سكان البلاد. ثم استمر التأييد الأمريكي لليهود، سياسياً ومالياً وعسكرياً، حتى بلغ ما بلغه في هذه الأيام، ولذلك فإن كاتب هذه السطور لم يعد يرى فرقاً بين قادة أمريكا والقادة الإسرائيليين في عدائهما للشعب الفلسطيني والأمة العربية المسلمة التي ينتمي إليها، ومن هنا ورد في قصيدته عن مؤتمر القمة الذي عقد في القاهرة عام 1421هـ/ 2000م ما يأتي:


يا قادة العُرْب هلاَّ استيقظت همم
منكم توالت على إغفائها حقب؟
ماذا يفيد لهاثٌ خلف ما رسمت
من زائف السلم رأس الغدر والذنب؟
وهل تظنُّون من يُبدي نصائحه
عدلاً يحقِّق في الشكوى كما يجب؟

كون قادة أمريكا، يدعمون إسرائيل أمر لا يحتاج إلى كبير عناء من البحث والتدقيق لإثباته والبرهنة على حقيقته. ذلك أنه وصل إلى درجة أن وصف رئيسها مجرم الحرب الإرهابي شارون بأنه رجل سلام مع أن الجميع يرون ما يرتكبه يومياً ضد الفلسطينيين، شعباً وأرضاً، من جرائم القتل والتدمير، ووصف الذين يقاومون الاحتلال والجرائم الصهيونية المرتكبة ضدهم بأنهم إرهابيون يجب القضاء عليهم قضاء مبرماً.
على أن موقف قادة أمريكا المعادي للشعب الفلسطيني والأمة العربية المسلمة لم يقف عند حدِّ دعمهم للكيان الاسرائيلي والدفاع عن الجرائم التي ترتكبها، بل إن هؤلاء القادة أخذوا يفرضون على الدول الأخرى أن يتبعوا آثارهم، دفاعاً عمن يرتكبون حرب إبادة وجرائم ضد حقوق الإنسان، وعداء لمن يدافعون عن أنفسهم ووطنهم وممتلكاتهم، وأصبح على الآخرين أن يصفوا هؤلاء المدافعين المقاومين بأنهم إرهابيون، لا أن يكتفوا بالمثول أمام العالم خرساً وهم يستمعون إلى من يكيل أنواع الشتائم للمقاومين الفلسطينيين ويتلو أبدع آيات المدائح للمجرمين في إسرائيل، ولو اقتصر الأمر على أن الذين أطاعوا أوامره بوصف هؤلاء المقاومين بما وصفهم به ممن امتلك نفوسهم الخور والضعف والخوف من سيدة العالم، سطوة أو منعاً لمعونة، لهان وخفَّ وطأة، لكن هذه الأوامر أخذت تطاع من قبل دول لها وزنها - أو كان لها وزنها قبل أن تُحكم أمريكا قبضة هيمنتها على العالم - وأمام قوة هذه الدولة الجبارة وعنفوانها لم يعد أمام هذا العالم، شرقه وغربه، جنوبه وشماله، إلا أن يظهر تجاوبه صاغراً استجابة لتلك القوة وهذا العنفوان. وهكذا تمَّت عولمة العالم.
ولله في خلقه شؤون.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved