بين أمسها البعيد .. البعيد أمسها الذي مضى... تركت لنا سطوراً من زهو تمنطقت به وتباه اتشحت توهجه، تحفز الذاكرة على الحضور والإشراق.. كلما استدار قرص الشمس إلى المغيب وضمنا دفء المكان واحتضنتنا أنفاس أمسها البهي وطاب لنا الحديث عن حضورها الذي ما انفك يحاصر حدود تفكيرنا.. حدود حلمنا وحدود تطلعنا وتلك المساحة.. (الضيقة) التي نرسم بألوان الطيف كل حضور نريده لها.. تكون بوابة الوطن.. نافذة الحلم المشرعة والشرفة التي تتيح للبصر أن يمتع أنفسنا بأحلام يقظة.. وصور تُهيّض أجنحة ما اعتادت إلا التحليق في فضاء مرابع الصبا وفياض تنقلت على أغصان شجيراتها طرباً وإيناساً.
بين كل صور الحضور.. تقف (القريات) بين إرث ثري هو زوادة لحاضرها وبين واقع يشحذ فينا الهمم كي ندفع باتجاه صياغة حاضر يقدمها لغد تكون فيه فاعلة.. متفاعلة. ذات شأو.. ذات شأن وهي مؤهلة لذلك.. موقعاً وجغرافية.. وإرثاً محفوظ في سفر تاريخها. وحين نبلور ذلك برأي وطرح يتحلى بصدقية من خلال عجين الرؤى والآراء وتمازج الأفكار وتلاقحها تكون الصورة أكثر وضوحاً والمفردات أكثر جرأة والطرح أكثر موضوعية. حين تكون مدينتنا (القريات) هي المعنية فبالتأكيد سيكون التقاؤنا أقرب منه لاختلافنا وإن تباينت طرق الوصول أو طال هذا الطريق أو ذاك.
كلنا ننشد التطور والتنمية، وكلنا يسعى بطريقته لبلوغ هذا الهدف.
حين ننحي الأهواء والعواطف في توجهاتنا ونتعامل مع الأشياء.. كل الأشياء بعقلانية واتزان نجد أنفسنا وقد حققنا رضى كل الأطراف دونما محسوبية أو نُرضي طرف على حساب طرف آخر.. نظلمه كثيراً إن فعلنا! هذا شيء لا نقره ولا نريده على الاطلاق.
نظرتنا للغد أياً كانت النظرة.. متفائلة أو (متشائمة) هي بالتأكيد ثمرة لحصاد يومنا الذي نحن فيه.. ولهذا لا نريد أن تكون نظرتنا للغد مرتبطة لواقع الأمس وما كانت عليه القريات لا نريده أن يثنينا عن رحلة البحث ولا نريده أن يؤثر على نتاج هذا اليوم وحصيلته.. نحن كنا فعل ماض!!.. شيء فات.. ! لا نريد أن نقتات الأمس ونرتهن له ونربط تطلعنا للغد لذلك الأمس.. إذ لن يبني لنا ذلك الأمس شيئاً ، ولن يبني لنا ما لم نرسخ نحن لغدنا بفعل يقدم لنا الشيء.. الأشياء.. التي نرنو لتحقيقها.
حين تطلب أمر ما.. فهذا شيء يجب أن لا يجعل منه مسوغ للنيل مني أو من ما طالبت به .. لا نريد للجسارة والجرأة أن يناصبا بعضهما العداء ولا نريد لهما أن يكون قنطرة لننعت بما يخرجنا من حلبات المحاورة وحلقات الحوار الهادف والبناء.
أن تتطور القريات وتزدهر.. أعتقد أنه يسعد كل مواطن في المدينة نفسها أو مواطني المدن الأخرى.. لا أريد أن يفهم كلامي ويفسر بالشكل الذي هو عكسه تماماً. ولا أريد أن أعاب فيما أنشده لمدينتي.
في مدينتي .. حيث المسكونون بهموم التنمية.. الغارقون في لجة الحلم.. المتطلعين لغد أكثر إشراقاً.. أكثر اخضراراً.. تُحمل بين ظهرانيهم .. في نبضهم ومع تدفق قطرات الدماء في أوردتهم وشرايينهم.
القريات.. تسكنهم أينما حلوا.. ارتحلوا.. يسكنونها جسداً.. نفساً.. مشاعر.. وحين تضيق بهم الدروب.. الأرض.. الأمكنة.
يرسمون غدها بألوان الطيف ويحبرون الصحائف بكل تطلع يرون أن مدينتهم بحاجته. يريدونه لها.. لتتكامل المنظومة وليثمر الغرس.
القريات .. تظل تلك الفيضة المتعددة الأزاهير.. المتعددة الألوان والأطياف.. بنبتها الغني ثمرة تعن من خصوبة التربة وعذوبة الهواء ونقائه.. أرض لا تعرف الجحود ولا إنكار الخير وتبين كل ما يتحقق لها ولا تخفيه. هي على موعد دائم مع الخير.. وفي حضرة أميرها صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف هذا اليوم كما هي في كل يوم حاضرة في ذهنه ووجدانه وفي ضميره.. تكون للقريات إشراقاتها وحضورها وفي مشاريعها التي كانت بالنسبة لنا كالحلم.. في عداد الأمنيات. ها هي اليوم بين ناظرينا أنا نقلناه.. نشاهدها في معاول البناء التي شرعت في التشييد والإعمار نراها في مشروع الصرف الصحي وتصريف الأمطار ودرء أخطار السيول ومستشفيات حديثة (ثلاث) وأعمال الرصف والسفلتة والتجميل ونقل المياه من بسيطا.. وغير هذا كثير.. هي حقائق يجب تبيانها لأولئك الذين لا يتابعون ولا يطلعون على مجريات الأمور.
في رحلة البناء تكثر المطالب وتتزايد الرغبات وتكثر الآمال.
التطلع لا يقف عند حدود والآمال تكبر حين تكون همم الرجال أكبر. ومساحات العطاء أرحب. حينها تجسر المسافات وتتقزم المصاعب ويطوّع كل عصي وتذلل العقبات. عندها يغدو كل صعب قريب المنال في رحلة البناء التي تشهدها منطقة الجوف ويقود سفينتها من هو بحجم وقدرة (فهد بن بدر بن عبدالعزيز) وهو الذي يدير شؤونها بهمة ويعالج همومها بثاقب بصيرة وهدوء يعني (تحد مع الزمن وتفوق على الظروف) فله منا كل التقدير والاعتزاز وله علينا واجب البذل والإخلاص والتفاني وفقه الله.
|