ما كان ينتظر أن يقوله الصحاف.. لم ينطق به.. ولكن هيئته.. منظره.. حالته النفسية.. مظهره.. إجاباته المتحفظة.. قالت أشياء كثيرة..!!
غابت صبغة شعر الرأس، فظهر الشيب.. وإذا كان الشيب وقاراً كما يقول المرحوم ناظم الغزالي.. إلا أن شيب الصحاف كان مثيراً للشفقة ويكمل الصورة المأسوية التي آل إليها رجال النظام السابق.. وهي صورة تجسد حالة العراق الآن.
ظهر الصحاف مهزوماً.. آثار الهزيمة بادية لا يمكن تغطيتها حتى وإن حاول التصنع بالتحفظ..!!
المرارة تنطق قبل أن تخرج الكلمات من فمه.. ليس لأن نظامه انهزم، ولكنه لم يكن يعرف كيف انهزم النظام.. فالرجل لم يعرف كيف حصل كل ما حصل.
الإجابات القليلة.. والردود التي لا تحمل أي شيء.. كشفت عن أشياء وأشياء أقلّها أن الوزير محمد سعيد الصحاف كان خارج دائرة القرار، وأنه كان مضلَّلاً، تُملى عليه البيانات، ويبلَّغ بمعلومات كاذبة لينقلها للآخرين.. فهو مثل ناقل الكذب.. وليس بكاذب، ولهذا كان الأجدر بالدكتور الصحاف الذي يحمل على اكتافه تاريخاً علمياً معرفياً طويلاً، من مدرس للغات.. إلى مترجم.. إلى إعلامي بدأ في أروقة الاذاعة والتلفزيون، مديراً عاماً لها، ثم سفيراً فوزيراً للخارجية ثم وزيراً للإعلام..
ومثل هذا التاريخ والحياة المهنية الإعلامية الدبلوماسية، كان حافزاً له أن يكون متجانساً ومتوافقاً مع التاريخ، وأن يكون صادقاً مع نفسه.. ومع من نقل إليهم أكاذيب النظام.
كانت أمامه فرصة ليشرح كيف ورط ليكون الناطق العسكري.. ووزير الخارجية.. والناطق الإعلامي.. ووزير الدعاية.. وأن المعلومات كانت تبلَّغ إليه، ينقلها إلينا بأسلوبه.. المقنع.. أو الكوميدي..
ولكن الصحاف أضاع الفرصة لأن دور وزير النظام لايزال يسكن وجدانه ليبقى مرتبطا وجزءاً من نظام مثَّل النموذج الأسوأ للأنظمة العربية المشابهة التي تتفوق دائماً في اغتيال الحقيقة وتنجح دائماً في صنع النكسات التي يمتلىء بها تاريخنا المعاصر والوسيط.. وتفشل في تحقيق الحد الأدنى من المصالحة مع الجماهير العربية التي خُدعت كثيراً..
وكانت الفرصة سانحة للصحاف للتصالح مع من خدعهم لو حاول أن يقول ما كان يعرفه حتى وإن كان قليلاً.. أو أنه كان مضلَّلاً أو مخدوعاً.. لو فعل ذلك لوجد التعاطف.. وحصل على عفو الجماهير العربية.. ولكنه فضَّل التغطية.. والسكوت.. رغم أن كل ما فيه كان ينطق بالحقيقة المرة.. والهزيمة المؤسفة التي يعيشها الصحاف.. والعراق.. والعرب.
|