* بغداد - سكوت بيترسون(*)
بعد إطلاق سراح الموطن العراقي رياض فاضل حمزة من قبضة القوات الأمريكية قال الرجل إنه تعرض لأسوأ عمليات تعذيب يمكن تخيلها، ويروي رياض قصته فيقول إنهم كانوا يصبون الماء المثلج على رأسه واستخدموا الصدمات الكهربائية معه وأشار إلى التسلخات والتشوهات التي ملأت ذراعه وقد تجمع حوله عدد من العراقيين الذين استمعوا إلى قصته بتعاطف كبير.
من ناحيتهم نفى المسؤولون الأمريكيون هذه الواقعة تماما وقال كريك وارنر نائب قسم القضاء في قوات الاحتلال الأمريكي بالعراق إن التحقيقات التي جرت بشأن هذه القضية لم تكشف عن وجود دليل ملموس على حدوثها.
والحقيقة التي يجسدها هذا التناقض الواضح في الروايات والرؤى هي أن القوات الأمريكية في العراق تخوض معركتها على جبهتين حيث تحارب من أجل القضاء على جيوب المقاومة العراقية المسلحة من ناحية وتحارب من أجل تأكيد مصداقيتها المفتقدة لدى الشعب العراقي من ناحية ثانية.
ففي ظل هذا التحسن الطفيف جدا للأحوال المعيشية للعراقيين رغم مرور أكثر من شهرين على الاحتلال الأمريكي لبلادهم وفي ظل الانتقادات العراقية للقبضة الثقيلة التي يستخدمها الأمريكيون في التعامل مع العراقيين أصبح العراق أرضا خصبة لمشاعر الكراهية والشائعات ضد الأمريكيين.
ومن أمثلة ما يتردد في العراق حاليا اتهام القوات الأمريكية بتعذيب المعتقلين العراقيين وتنفيذ حكم الإعدام ضد أحد العراقيين في مستشفى وقيام الجنود الأمريكيون باغتصاب سيدتين عراقيتين، وهو ما تأكد أن بعضها غير حقيقي في حين سيتأكد أن البعض الآخر غير حقيقي فيما بعد، ولكن انتشار مثل هذه الأقاويل وترديدها يعني إمكانية تصديقها من جانب الشعب العراقي. يقول سعد جواد استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إنه بسبب القبضة الثقيلة والقسوة التي يتعامل بها الأمريكيون مع العراقيين فإن العراقيين يصدقون أي شيء سلبي عن الأمريكيين.
مؤشرات سلبية:
ويضيف أنه في مقدمة أسباب هذه الحالة أن الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر لم يفعل أي شيء من أجل كسب العراقيين، وهذا يدفع العراقيين إلى عدم رؤية أي مؤشر إيجابي ويجعلهم يصدقون أي شيء.
ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أنهم ملتزمون تماما باتفاقيات جنيف كقوة احتلال في العراق، ولكن حالة غياب الأمن التي سيطرت على العراق خلال الأيام الأولى للاحتلال والهجمات الدامية التي تشنها قوات المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية تثير الكثير من الأسئلة حول القمع المحتمل وما يؤدي إليه من قتلى في صفوف المدنيين العراقيين.
ورغم ما يقوله الأمريكيون من أن استخدام الصدمات الكهربائية ضد السجناء في الولايات المتحدة غير مسبوق فإن التحقيقات الأمريكية أدانت أحد الجنود في عام 1993 باستخدام التعذيب بالصدمات الكهربائية ضد أحد المعتقلين في الصومال.
وفي نفس الوقت فإن المحققين القانونيين الأمريكيين في العراق الذين تولوا التحقيق في قضية رياض فاضل حمزة وزملائه من المعتقلين العراقيين أكدوا أن هذه المزاعم غير صحيحة.
والحقيقة أن الولايات المتحدة تعرضت لهجوم ضار من جانب منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان بسبب الظروف السيئة جدا التي تحتجز فيها قوات الاحتلال الأمريكية المعتقلين في العراق، ولكن الضباط الأمريكيين يؤكدون أن ممثلي هذه المنظمة الدولية لم يزوروا أماكن الاعتقال في العراق في حين أن منظمة الصليب الأحمر الدولية زارت بعض مراكز الاعتقال في مطار بغداد الدولي مرتين.
وفي الوقت نفسه تجري القوات الأمريكية تحقيقا لتحديد مسؤولية هذه القوات عن موت أحد الأسرى العراقيين في مركز لاحتجاز الأسرى بمدينة الناصرية جنوب العراق، كما تجري القوات البريطانية تحقيقات في موت اثنين من العراقيين اللذين كانا في قبضة القوات البريطانية حيث تواجه القوات البريطانية اتهامات بتعذيب وضرب هذين العراقيين حتى الموت.
عمليات تمشيط:
تقوم القوات الأمريكية منذ نحو سبعة أيام بعمليات تمشيط واسعة في مختلف أنحاء العراق بلغ عددها أكثر من تسعين عملية حيث اعتقلت حتى الآن ما يزيد عن 540معتقلا عراقيا جديدا، وكان رياض حمزة وأربعة آخرون من زملائه قد تعرضوا للاعتقال عندما هاجمت القوات الأمريكية مركزا ثقافيا إسلاميا بمدينة جبيل جنوب العاصمة بغداد في الثالث من يونيو الحالي، وكانت القوات الأمريكية قد تلقت إخبارية تقول إن هذا المركز يستخدم كمقر للتخطيط لشن هجمات ضد القوات الأمريكية، ووفقا للتقارير الأمريكية لمكتب الشؤون القانونية للقوات الأمريكية في بغداد والتي حصلت جريدة «كريستيان ساينس مونيتور» على نسخة منها فإن السبب الرئيسي لمهاجمة مركز الجبيل الثقافي كان وصول معلومات إلى القوات الأمريكية عن وجود عشرين عراقيا يتدربون على شن هجمات ضد قوات الاحتلال.
وفي حين يقول رياض فاضل حمزة إنه تعرض للضرب بالحجارة وإطلاق غازات كيماوية ضده أثناء مهاجمة القوات الأمريكية للمركز الثقافي الإسلامي يقدم المسؤولون العسكريون الأمريكيون صورة مختلفة تماما.
يزعم الأمريكيون أنهم سألوا المعتقلين عما إذا كانوا في حاجة إلى علاج طبي وأشاروا إلى أن أحد هؤلاء المعتقلين كان يعاني من السكري وأنه كان يتم إجراء كشف طبي على هؤلاء المعتقلين يوميا، وتواصل الرواية الأمريكية فتقول إن رياض حمزة هو الذي كان يحاول إيذاء نفسه، وأنه تم الإفراج عنه في التاسع من يونيو بعد أن اتضح أنه لم يعد ذا قيمة مخابراتية عسكرية بالنسبة للقوات الأمريكية.
وهناك نموذج آخر للفجوة بين الحقائق والمعتقدات في العراق وهو حالة الضابط السابق في جيش العراق المنحل طارق حسين والذي قتل برصاص الجنود الأمريكيين أثناء المظاهرة التي نظمها عدد من ضباط الجيش العراقي المنحل في بغداد في الثامن عشر من يونيو الحالي للمطالبة بصرف رواتبهم.
فعائلة طارق تؤكد أن الرصاصتين اللتين أصابتاه أثناء المظاهرات لم تقتلاه ولكن القوات الأمريكية هي التي قتلته بعد ذلك في المستشفي الذي انتقل إليه، ويضيف أفراد العائلة أن الرجل لم يكن مصابا سوى بجرحين فقط عندما نقلته القوات الأمريكية على نقالة إلى المستشفى وعندما تسلموا جثته في اليوم الثالث كان بها ثلاثة إصابات إحداها في الرأس.
يقول حسن غانم خلاف أحد أقارب الشهيد إنه يشك في قيام القوات الأمريكية بقتله في المستشفى.
وقد كان نبأ الجرح الثالث جديدا بالنسبة للطبيب الأمريكي الذي تولى علاجه عند نقله إلى المستشفى، يقول الرقيب جوليرمو باتينو لقد حاولنا إنقاذ حياته، وعندما جاء إلى المستشفى كان به جرحان فعلا ولم يكن هناك أثر لأي جرح ثالث.
أما القصة الثالثة التي أشعلت الغضب في العراق فكانت تتمثل في خبر نشرته جريدة «الساعة» التي تعد ثاني أكثر الصحف العراقية انتشارا بعد سقوط نظام حكم الرئيس صدام حسين يقول إن شهود عيان أكدوا قيام 18 جنديا أمريكيا باغتصاب فتاتين عراقيتين الأولى عمرها 14 عاما والأخرى 15 عاما في مدينة الكوت جنوب شرق بغداد، ولكن المراسلين الأوروبيين الذين تتبعوا القصة في مدينة الكوت تأكدوا أنها مختلقة تماما، وقد أصدرت سلطات الاحتلال بيانا أكدت فيه أن هذا الخبر غير صحيح ، كما نفى مسؤولو الأمن في المدينة وقوع هذا الحادث.
ولكن الجريدة التي نشرت الخبر توزع 18 ألف نسخة في مختلف أنحاء العراق، أي أنه هناك 18 ألف نسخة من قصة اغتصاب الجنود الأمريكيين لفتاتين عراقيتين، وهذا يعني بالنسبة للكثير من العراقيين تأكيدا لمخاوفهم من قوات الاحتلال الأمريكي.
(*) خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص ب«الجزيرة»
|