اعتقد أن أسوء شيء سمعته هو أن محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي السابق سوف يظهر على الشاشة «أكيد شاهدتموه يوم أمس» فالصحاف دخل منطقة الأسطورة وسوف يخرج منها بمجرد أن يخرج على الشاشة ويتحدث للناس مرة أخرى. لا أعرف ما الذي سيقوله وما الذي سوف يضيفه. فهو لا يملك شيئاً يقدمه للتاريخ وإذا كان كذلك فلن يتمكن من قوله فهو الآن تحت وصاية العلوج والطراطير. ولن يقول إلا الكلام الذي يسرهم أو الذي لا يسوؤهم.
من الصعب التنبؤ بالأسباب التي جعلت أمريكا تستبعد الصحاف من قائمة المطلوبين الذين تلاحقهم. كان رجلاً فاعلاً في النظام العراقي السابق عبر عقود وقد ساهم بطريقة وأخرى في بناء ذلك النظام والدفاع عنه وتطوير سياساته. إذا كانت هناك جريمة ارتكبها النظام السابق فالصحاف لا يمكن بل يستحيل أن يكون بريئاً منها. فالجريمة لا يرتكبها المنفذون والمخططون بل والمسوغون لها أيضاً. فكل من ساهم فيها بطريقة وأخرى يجب أن ينال عقابه.
وأمريكا كما نعرف تأخذ بالشبهة وتأخذ بالظن وتأخذ بالجملة وتفرز في السجن فليس من قيم السياسة الأمريكية التسامح أو العطف أو البحث عن الحقيقة حتى الآن لا أحد يعرف مصير كل الموقوفين العراقيين المطلوبين من قبل أمريكا ولم نسمع أن حقوق الإنسان لها دور في متابعة توقيفهم. والأهم أن أمريكا لم تخبر أحداً بما سوف تفعله بهؤلاء الموقوفين. في كل نظام في الدنيا هناك شفافية في التعامل مع الموقوفين والمطلوبين وكل يعرف مصيره بعد القبض عليه. أو على الأقل الإجراءات التي سوف تحدد مصيره. ولكن أمريكا شنت حربيين متتاليتين على دولتين إسلاميتين وحشرت آلافاً من مواطني هذين البلدين في سجونها ومعتقلاتها دون أن تشير إلى ما تريد أن تفعله بهم.
أن تستثني هكذا بكل بساطة واحداً من رموز النظام السابق وتتركه حراً طليقاً أمر مثير للتساؤل. لا أريد التشكيك وأنا بطبيعتي لا أعرف كثيراً في السياسة. الذي يهمني الآن هي شخصية الصحاف الأسطورية تلك الشخصية المتألقة التي وسمت فترة الحرب على العراق. كان هو الجانب العراقي من الحرب ظهر معه في البداية وزير الدفاع العراقي وبعض الضباط ولكنهم سرعان ما اختفوا وتركوا مهمة الحرب على عاتق الصحاف الذي قام بها خير قيام.
لم أر أن الصحاف كان اضحوكة كما حاول الإعلام أن يصوره لنا بعد الهزيمة. بل كان الصحاف خبيراً في إدارة إعلام الحرب. الأضحوكة هم الناس الذين راحوا يحللون الحرب ويتوقعون نتائج غير النتائج التي ظهرت بها.
الصحاف لم يكن محللاً سياسياً أو عسكرياً حتى نطالبه بالموضوعية. كان جزءاً من النظام وجزءاً من الحرب وكل كلمة قالها كانت ضرورية. فهو لم يكن يعرف ما الذي كان تفعله الأطراف الأخرى من النظام العراقي أثناء الحرب. لكن الصحاف ككل القيادات الدكتاتورية من السهل أن ينتقل من جانب الى آخر وأن يبدل الولاءات. فليس في داخله حساسية التاريخ ولم تتوافر لديه أبدا فلسفة وطنية، كان ضمن نظام يعتبر أن الدولة والناس غنائم. لم يكن يبني مجداً لنفسه فضلاً أن يلتفت الى أمته، الذي يعمل مع صدام حسين وأمثاله ليس لهم مكان في تاريخ البشرية غير مكبات الزبالة. هؤلاء الناس الذين لا يملكون أدنى حس بالفروسية.
فاكس: 4702164
YARA4U2@HOTMAIL.COM
|