في كتابه «الفرصة السانحة» يرسم الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون صورة الاسلام كما يراها في الذهن الأمريكي فيقول :«يتصور كثير من الأمريكيين أن المسلمين هم شعوب غير متحضرة، دمويون، وغير منطقيين، وان سبب اهتمامنا بهم هو ان بعض زعمائهم يسيطرون بالمصادفة على بعض الأماكن التي تحوي ثلثي البترول الموجود في العالم». ويضيف: «وليس هناك صورة أسوأ من هذه الصورة، حتى بالنسبة للصين الشيوعية، في ذهن وضمير المواطن الأمريكي عن العالم الاسلامي». راجع النسخة العربية من الكتاب ص135.
هذا الكلام لم يصدر عن رجل دين مسيحي متزمت، ولم يقله مفكر متطرف، وإنما كتبه رجل سياسة قبل أحداث 11 سبتمبر، وكان يوما ما رئيس الولايات المتحدة، ويعتبره الأمريكيون واحداً من أهم دهاة رؤسائهم، وممن وضعوا الكثير من استراتيجياتهم التي تلتزم بها السياسة الأمريكية الخارجية حتى الآن. ولك ان تتصور لو ان واحداً من القادة السياسيين العرب أو المسلمين المؤثرين، يوازي في قيمته الرئيس نيكسون، قال في مستوى هذا الكلام عن رؤية العرب والمسلمين تجاه الأمريكيين، ماذا ستكون ردة فعلهم، وبماذا سيصفونه، وكيف سيصنفونه في زمن «التصنيفات الأمريكية»؟؛ طبعا ليس أقل من أنه «داعم للإرهاب»، فهل يمكن لنا في المقابل وبالمعايير نفسها أن نقول ان الرئيس «نيكسون» داعم للإرهاب؟.
ونحن عندما نقف أمام كل من يروج لثقافة الكره والبغضاء في مجتمعاتنا، على أساس أنها «أس البلاء» الذي أفضى الى ما نعيشه اليوم من تبعات، وأزمات، وتكريس للعداوة وثقافة الكراهية بين الأمم، فإن من الموضوعية أيضا ان نقرأ أدبيات الفكر الآخر على الضفة الأخرى من النهر، لنجد وبالكم نفسه، وربما الحدة، أن ثمة ثقافة تنتشر هناك، ويرسخها كبار أساطينهم، لا تقل في خطرها على الأمن والسلام الدوليين عما هو موجود لدينا. ومن ذلك ما كتبه مؤخراً الكاتب الأمريكي المعروف «توماس فريدمان» الذي يدعو صراحة الى «افقار» السعودية وايران على أساس أنهما دولتان «دينيتان» في الوقت الذي يعترف فيه رئيسه الرئيس «بوش» بإسرائيل على أنها «دولة يهودية» كما أكد ذلك في خطابه مؤخراً في قمة العقبة!.
إن الحوار بين الثقافات أو بين الأمم، أو بين الحضارات- سمه ما شئت - الذي ينادي به حكماء القوم من الطرفين، كمنطلق لتكريس التعايش على الرغم من الاختلاف، يجب بدءاً أن يكون موضوعياً، وان يستمع فيه كل طرف الى الطرف الآخر، وأن يفهمه ويتفهمه قبل ان يصدر الأحكام أو يصل الى النتائج. وعندما يصبح مثل هذا الحوار ذا اتجاه واحد: مجرد «طلبات» من الغرب، وما على الطرف الذي يجلس أمامهم على طاولة الحوار سوى الإذعان، أو الدفاع والتبرير، فإن ذلك لا يمكن البتة أن يكون حواراً حضارياً، فضلا عن أنه لن يصل في نتائجه الى الأهداف المنشودة منه.
وحسب اطلاعي ومتابعاتي لما يصدر من وسائل الاعلام الغربية من انتقادات وربما اتهامات لثقافتنا العربية الاسلامية، من منطلق أنها تفرز فكراً يكرس البغضاء والعداوة، أجد أنهم، وربما عن قصد، يتجاهلون ما تصدره ثقافتهم ذاتها من فكر يصب فيما هم منه يحذرون، كمقولة الرئيس «نيكسون» التي بدأت بها هذا المقال، التي لا يمكن تصنيفها إلا أنها تكرس الكراهية والبغضاء بين الأمم على أساس ديني، ليتحول الحوار الى مقاضاة، هم فيها القاضي والمدعي في آن.
وإذا أخذنا تعامل الغرب عموماً، وأمريكا خصوصا، مع اسرائيل وتغاضيهم عن العنف تجاه الفلسطينيين، وتبريرهم لكل ما يقترفه «شارون» من ممارسات أقل ما يقال عنها انها «إرهاب»، وفي الوقت ذاته يتناسون أحقية الشعوب في مناهضة وقتال محتليها، فهم في الواقع يمارسون القمع والإقصاء والكيل بعدة مكاييل، ليستنتج الانسان العربي المسلم ان مثل هذه الممارسات هي ممارسات عنصرية، لا تمت للديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان التي بها يبشرون بأي صلة، وهم بذلك يسقطون أول ما يسقطون أي مبرر «أخلاقي» لدعواتهم لاجتثاث ثقافة الكراهية من مجتمعاتنا.
خلاصة القول هنا مؤداها ان تجفيف منابع الارهاب ليست مسؤولية عربية واسلامية فقط وإنما هي مسؤولية غربية أيضا. ومن دون أن يعترف الطرف الغربي والأمريكي على وجه الخصوص بهذه الحقيقة، فإن دوامة العنف، والعنف المضاد، ستستمر ولن تتوقف.
|