إن التحول الإجتماعي من حياة الريف الى المدينة يفرز تغيرات جذرية في محيط المجتمعات والأسر والأفراد، وبقدر ما يحققه هذا التحول من مكتسبات ومعطيات إيجابية كبيرة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع عن طريق الارتقاء الفكري إضافة إلى الحصول على خدمات أساسية وترفيهية توفر الحياة الصحيحة والاجتماعية الهانئة، بقدر ما يصحبها من تبعات سلبية لا حصر لها، ولأن الشباب هو العنصر الأساس لأي أمة في مشهدها الحضاري بين الأمم الأخرى كون الشباب هم الثروة الهامة التي يعول عليها في ترسيخ التقدم والاستقرار لأي مجتمع ينشد الريادة والتطور. فإن المرء حين يرى أفواجاً من شبابنا ومن مختلف الأعمار وفي كافة المستويات والمراحل التعليمية سواء من البنين أو البنات يغدون ويروحون إلى المؤسسات التعليمية طيلة سنة كاملة يشعر بالتفاؤل بمستقبل واعد ومشرق لهذا البلد الكريم.. ومع انتهاء عام دراسي حافل بالجهد والتعب من هؤلاء الطلاب وتقديرا لهم بما بذلوه من خلال هذا العام الكامل، حق لهم أن يستريحوا استراحة محارب استعداداً لعام قادم جديد، وينبغي أن يكون استقبالهم له استقبالاً يحفه الشوق والرغبة، لا العبوس والتذمر. وحتى نصل إلى هذه الحالة الإيجابية من محبة التحصيل العلمي رغبة في كسب العلوم والارتقاء بالقدرات العقلية خدمة للأمة والمجتمع، ينبغي أن نعطي الشباب من الطلاب والطالبات في مختلف المراحل التعليمية حيزاً من الاهتمام وذلك بإيجاد البرامج والمناشط الترفيهية والتدريبية التي ترجع بالنفع والفائدة لهؤلاء الطلاب وللمجتمع على حد سواء.
يجب على المسؤول وهو يهم بجمع حقائب السفر ووضع الخطط والبرامج له ولافراد عائلته في هذه الإجازة ألا ينسى آلاف الطلاب الذين تحول كثير منهم إلى مشكلة لأسرهم ومجتمعهم لما يعانونه من فراغ في الوقت وفي العمل. إن حياة المدينة وكما قدمناه في صدر هذا المقال خلقت بيئة نفسية واجتماعية لكثير من هؤلاء الشباب جعلتهم بسببها حبيسين داخل بيوت أهليهم أو ينطلقون تائهين في الشوارع والأزقة مع رفقة لا تفكر إلا في كل أمر منحرف وشائن.
إن أهالي كثير من الطلاب والطالبات يتمنون لو أن الدراسة لم تنته حينما يواجهون سيلاً من الممارسات والسلوكيات المقلقة مع أبنائهم خلال هذه الإجازة فليس كل أب لديه عمل زراعي أو تجاري يمكن أن يوجه ابنه للعمل فيه واكتساب خبرات وقضاء أوقات مفيدة من خلاله، وليس كل أب قادراً على أن يصحب أبناءه في سفر للفائدة والمتعة لظروف مادية أو أسرية تمنعه من ذلك.
وإزاء هذا الوضع وبين يدي هذه الإجازة أضع عدة برامج مقترحة أحسب أن تطبيقها سيساهم في حل هذه المشكلة وسيحقق في نفس الوقت عوائد مفيدة للمجتمع مع التنوية إلى أن بعض ما أذكره موجود لكني أردت من إيراده التأكيد على أهمية توسيع نشاطه ودعمه حتى يشمل أكبر قطاع من أبنائنا الطلاب حتى يحقق الأهداف المنشودة في حفظ أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة والترفيه المنظم وما سأذكره من برامج يتعدى الجانب الترفيهي البحت إلى تحقيق العائد المفيد ولعله يجمع بين الترفيه والتدريب إذا صممت برامج بدقة لكي تحقق ذلك ولا أدعي بأنني سآتي على جميع جوانب هذا الموضوع لكنها إشارات تحتاج متابعة وتفعيل وتوسيع دائرة النقاش حولها حتى لو أدركنا الوقت ولم نتمكن من تطبيقها كلياً في هذه الإجازة تؤخذ في الاعتبار في السنوات القادمة التي أحسب أننا سنكون بأمس الحاجة لها إذا استشرفنا المستقبل وما يحمله من مخاطر وتحولات تحيط بمجتمعنا من كل جانب وإليكم هذه البرامج مجملة في النقاط التالية:
أولا: دعم المراكز الصيفية في المدارس والجامعات وتفعيل دورها حتى تشمل مدارس البنين والبنات لتستوعب العدد الكبير من الطلاب والطالبات الذين يعانون من الفراغ، والتنسيق مع الشركات والمؤسسات الوطنية لدعم هذه المراكز وتبني بعض البرامج التدريبية بها، ورصد مكافآت مجزية للقائمين عليها حتى تشمل أكبر عدد من المناشط والبرامج المفيدة بدل ان تعتمد على العمل التطوعي فقط.
ثانياً: دفع الأندية الرياضية للقيام بدورها المحوري في استيعاب أكبر عددمن الطلاب وجذبهم ببرامج ونشاطات موجهة تمكنهم من قضاء أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع مع التركيز على الجمع بين التوجيه السلوكي والممارسات الرياضية عن طريق عناصر تدريبية تمارس هذا الدور بمسؤولية وأمانة ولو استعين بمدرسي مادة الرياضة البدنية في المدارس مقابل مكافآت مقطوعة وشهادات تقدير محفزة معنوياً. إذ الملاحظ أن الأندية الرياضية في الأعم الأغلب لا تزال عاجزة أو متجاهلة للقيام بهذا الدور الاجتماعي الهام، وكل اهتمامها منصب على تحقيق المكاسب في المسابقات الرياضية الخاصة دون استشعار لمسؤوليتها الوطنية تجاه شباب المجتمع.
ثالثاً: وضع برامج تدريبية على الإسعافات الأولية ومواجهة الكوارث وتقديم الخدمات الاجتماعية يتم التنسيق في تقديمها بين الجهات المختصة ومن اهمها الدفاع المدني والهلال الأحمر ووزارة الصحة وغيرها. على أن يصحبها وسائل جذب إعلامية وتقديم مكافأت مقطوعة لمن يجتازها وشهادات تدريبية يمكن النظر في احتسابها لغرض التوظيف.
وتكمن اهمية هذا النوع من البرامج التدريبية في حاجة المجتمع لاكتساب مهارات في هذه الجوانب اذ الملاحظ افتقار المواطن لمعرفة أي معلومات عن ذلك، اضافة إلى دور هذه البرامج في دعم وترسيخ السلوك الإيجابي لدى المواطن في التفاعل والمشاركة في تقديم العون والمساعدة في الحالات التي تتطلبها الظروف والمواقف التي تحتاج في تقديم مثل هذه الخدمات كون الجهات المختصة ومهما كانت إمكانياتها لا تستطيع ان تقوم بهذا الدور بمعزل عن عون المواطن ودعمه ومشاركته.
على أن تشمل هذه البرامج العاطلين عن العمل ممن أنهوا دراستهم أو لم يستمروا فيها لأي سبب كونهم يشكلون عبئاً إضافيا مزمنا ولفترات قد تطول خلافاً للطلاب الذين سيعودون لمدارسهم وجامعاتهم بعد أشهر مما يستلزم الاستفادة من فراغهم باكتسابهم مهارات تفيدهم وتفيد المجتمع. مع التأكيد على أهمية إعادة النظر في السماح بالتجنيد الإجباري وفق أسس وضوابط تحقق الأهداف المرجوة منه في اكتساب قدرات ذات طابع عسكري وتربوي يصب في ترسيخ الشعور بالمسؤولية في الدفاع عن الوطن وحمايته من أي عدوان.
رابعاً: إلزام القطاع الخاص بتمكين الشباب من الطلاب للحصول على أعمال والانخراط في برامج تدريبية حقيقية وليست صورية كما هو الحال في قضية السعودة حيث تلجأ الشركات والمؤسسات الى توظيف الشباب دون إسناد أي أعمال منتجة لهم وإنما كسد فراغ كشرط للسعودة وكم رأينا شبابا يحضر للعمل في تلك الشركة أو المؤسسة ثم ينصرف دون أن يقوم بأي عمل حتى يتمكن منه الإحباط واحتقار الذات أو يستسلم لهذا الوضع فرحاً بالحصول على مقابل مادي مهما كان زهيداً دون بعد نظر للمستقبل.
خامساً: الاهتمام بالطالبات في مختلف المراحل وإيجاد برامج مفيدة لهن في المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية ومدارس تحفيظ القرآن النسائية وتزويدهن بمهارات تدريبية في الإسعافات الأولية والرعاية الاجتماعية والحاسب الآلي والتدبير المنزلي مع تقديم محفزات مادية ومعنويةوشهادات تقدير للمتميزات منهن لتشجيعهن على الاهتمام بتحصيل المعارف المقدمة في هذه البرامج مع حث القطاع الخاص بدعم هذه البرامج وفق خطط مدروسة.وبهذا نستطيع أن نحمي هؤلاء الشباب من الفراغ القاتل ونتيح المجال لهم للترفيه والتدريب بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالفائدة ونجنبهم من الوقوع في براثن الانحراف والجنوح الذي يكلف المجتمع الكثير. والله الموفق.
(*) ص ب 31886 الرياض 11418
|