فاجأني أحد الزملاء من خارج مدينة الرياض وانا منهمك في العمل اليومي باتصال هاتفي وحقيقة كان بيننا تواصل بشكل متقطع تبعا لمقتضيات الحياة والظروف الطبيعية ويكون الحديث عادة عن هموم العمل ومستجداته لكن هذه المرة كان الموضوع هاما بالنسبة له ولي وكنا ومازلنا نعتبره موضوعاً لا يمكن تجاوزه أو حتى الاقتراب منه وهو أسئلة الثانوية العامة وكيف ان زميلي هذا أثاره ما كتب عن تسرب هذه الأسئلة وطرح عليَّ تساؤلاً كنت أتمنى لو احتفظ به لنفسه.. وهو لماذا تسربت أسئلة الثانوية العامة بنات بعد دمج البنين والبنات تحت مظلة واحدة.. وماذا يعني هذا التسرب من وجهة نظري؟ ولماذا حدث؟؟ حقيقة وقفت برهة كيف أعلل هذا التسرب ومن أين أقنعه وهو الذي أعرفه انه شديد المراس ذكي جدا رغم تعليمه المتواضع كيف يمكن ان اشرح له اسبابه ومسبباته وقد كنت أتمنى ان يصمت لأنني لست خبيراً متخصصاً أو مسؤولاً عن هذا الأمر وهناك جهات أدرى وأعرف بخلفياته من جهة ومن جهة أخرى لم يسبق لي العمل ضمن اللجان المختصة التي تشرف على إعداد وتجهيز هذا العمل حتى يصل إلى المدارس؟ لكنه اصر ان يعرف وجهة نظري عن هذا التسرب الذي يحدث لأول مرة في تاريخ تعليم البنات؟ وكررها وجهة نظري فقط..
أجبته بصراحة متناهية «وهو يعرف مفهوم هذا المصطلح بيننا» انه من الصعب ان تبدي وجهة نظرك من خلال ما تسمعه أو يشاع على أعمدة الصحف أو يكتب في ثنايا المنتديات الثقافية التي أصبحت موضة عالمية لذلك قلت له ما استطيع أن اقوله هو ما استرجعه من أعمال الاختبارات «بالرئاسة العامة لتعليم البنات سابقا» بحكم انني عملت في هذه الجهة المختصة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه الأسئلة دون ان يكون لي دور مباشر في الإشراف أو المشاركة المباشرة لكن كل قضية تطفو على السطح «وحسب المنطق العلمي» لابد ان تضع فرضيات محتملة لأسباب هذا التسرب.. من بدايته إلى نهايته ثم تضع مقابل هذه الفرضيات العديد من الحلول التي قد تساعد كجزئية بسيطة إلى الاستدلال على شيء يؤدي بالنهاية إلى الحقيقة التي تبحث عنها وهذا لا يأتي بمجرد مهاتفة بيننا لكن اعتقد أنه يمتحن افتراضاتي أو لنقل وجهة نظري السطحية لهذا الموضوع بحكم التجربة والخبرة التي هو يعرفها انني مارست فيها أعمال الاختبارات من مسؤول عن غرفة السرية في منطقة الشمال إلى مدير شؤون طالبات واختبارات ثم اخصائي اختبارات ومشاركتي في أعمال لجان النظام والمراقبة ثم عملت مديرا عاما لمحافظة ثم مديرا عاما لمنطقة تعليمية.. كل هذه دوافع ايقنت ان «زميلي» تدفعه تلك البواعث إلى معرفة ذلك فقلت لعل وعسى ان اخرج من هذا الاحراج المزدوج تدرك «بارك الله فيك» ان الموضوع يحتاج إلى جهود استنتاجية وفرضيات موضوعة تنطلق من اللحظة التي وضعت فيها الأسئلة وحتى اللحظة التي تحرر فيها محاضر فتح ظروف تلك الأسئلة هي موضع تحليل وتدقيق وتطبيق لتلك الفرضيات حتى تصل إلى النقطة التي تقودك إلى الحقيقة لكنني اقطع 90% من تلك المسافة في الجانب الايجابي السليم وانا ادرك تمام الادراك من خلال تعاملنا مع الوكيل المساعد للإشراف التربوي رئيسة لجنة واضعات الأسئلة ان طريقة وضع الأسئلة تتم تحت مراقبة سرية صارمة وجدية تامة تنبع من منطلق المسؤولية التي تولتها منذ اكثر من «15» سنة لم تحدث ان تسربت فيها أسئلة أو هناك أي شكوك حولها سوى مرة واحدة اعتقد ان مديرة مدرسة اخطأت في فتح ظرف مادة قبل مادة وقد تلقت على ما اعتقد عقابا كان كافيا لأن يؤدب غيرها على مدار اكثر من «15» سنة مضت لم تحدث أي تجاوزات حسب علمي ومع ذلك كان العمل يدويا والأسئلة كانت بخط يدوي؟ قال صاحبي «هنا مربط الفرس» هل تتوقع ان الكمبيوتر له دور في التسرب أو ان حرامية الكمبيوتر دخلوا عليه وسرقوا الأسئلة «حسبي الله عليهم» وسربوها قلت اتقصد «الهكرز» قال انا ما أعرف اللي تقوله المهم هناك أيد خفية شيطانية سربت هذه الأسئلة فلماذا تسربت الأسئلة وهي في غاية السرية التامة التي تحدثت عنها؟؟ وما هو دور الحاسب الآلي؟؟ حاولت ان أُبين له ان الحاسب الآلي ليس له دور في ذلك وان الحرامية على رأيه ليس لهم الانسان سبيلا على الأقل لأن الحاسوب ليس مربوطاً على الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» لكن لا ننسى وانه مطلب من مطالب التنمية والتقدم وان الحاسب كان أيضاً يستخدم قبل الدمج ولم يحدث له أي تسربات لتلك الأسئلة.
ثم ان جهود أخينا وزميلنا الدكتور محمد العمران الوكيل المساعد لشؤون الطالبات ايضا جهود ندركها وندرك حرصه على اتقان العمل وسلامته فهو ليس بالجديد عليه لكن قد يكون تسربت الأسئلة لوجود ضعف أو خلل في مكان «ما» وحلقة مفقودة في كيفية حفظ الأسئلة أو تسليمها أو فتحها.. الخ وأتمنى ان تتضح الرؤية بالطريقة التي تسربت فيها لتكون الشفافية هي المطلب والتي تعطي الدافع لتلافي هذه السلبيات مستقبلا مع ضرورة تطبيق العقوبة القصوى التي تستحق بحق المتهاونين والمقصرين بقصد او بغير قصد والمقولة التي تقول «من أمن العقوبة أساء الأدب» لم تأت من فراغ وقد يقودني هذا إلى تلك الحقبة من العمل في مجال الاختصاص في دراسة وتطبيق اللوائح والأنظمة التي تصدر من الوكالة بحق المتهاونين والمتهاونات تلك «العقوبات المطبقة على المتهاونين والمتهاونات الموجودة حاليا كإرث قديم لم يلتفت له في ملفات الإدارة العامة للامتحانات ثم تحولت إلى الوكالة المساعدة لشؤون الطالبات القديمة بتعليم البنات» وأركز على القديمة تركيزاً شديداً لأن الجديد وفلسفته ونظرياته لم يعد يكفل سرية الأسئلة رغم انني من المناصرين بل والمتابعين لكل المستجدات في التقنية التعليمية والإدارية في عالم التربية والتعليم لأن هذا مطلب من مطالب النهضة التنموية التي تتسابق كل أمة ذات طموح وكل أمة ذات قيادة واعية متفتحة على مفهوم الحضارة والتقدم العلمي في ان تنهل من هذا المعين الذي أصبح مقياسا من مقاييس الحضارة التي نشهدها فأصبح العالم قرية صغيرة تسبح في هذا الكون الفسيح الرحب،
ومع كل ذلك لم استطع ولم اوفق في ان انقل وجهة نظري «إلى زميلي» الذي لم يقتنع بها لكنه اتفق معي على ان شيئاً واحداً وهو ان الضرورة تقتضي ان يضرب بيد من حديد على كل من له دور أساسي أو ثانوي وتلاعب في تلك الأسئلة وسربها وهي امانته التي حملها فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز {إنَّا عّرّضًنّا الأّمّانّةّ عّلّى السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ وّالًجٌبّالٌ فّأّبّيًنّ أّن يّحًمٌلًنّهّا وّأّشًفّقًنّ مٌنًهّا وّحّمّلّهّا الإنسّانٍ إنَّهٍ كّانّ ظّلٍومْا جّهٍولاْ}.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
|